فاجأ الاتحاد الأوروبي، المجموعة الدولية بقراره القاضي برفع الحظر عن الأسلحة باتجاه المعارضة السورية، في خطوة ستدخل سوريا حتما في غياهب مجهول سيزيد من سوداوية النفق المظلم الذي دخلته ولم تستطع الخروج منه. وخطورة هذا القرار، أنه اتخذ في وقت اقتنع فيه الجميع باستثناء الدول الأوروبية، أن قوة السلاح لا يمكنها أن تحسم الموقف لأحد الفرقاء المتصارعين، ولو كان الأمر كذلك لما بقيت المعضلة قائمة للعام الثالث على التوالي، ولا شيء يؤشر أنها سائرة نحو انفراج وشيك لصالح هذا الطرف أو ذاك. ويمكن القول إن قرار الاتحاد الأوروبي، بتمكين المعارضة السورية من الأسلحة التي تطالب بها، جاء كمن يصب الزيت على نار متأججة ليزيدها لهبا حتى تأكل بعضها بعضا، ويكون السوريون أول ضحاياها. وهي الحقيقة التي يمكن استخلاصها من قرار يثير الاستغراب، ويدفع إلى التساؤل حول حقيقة الدوافع الأوروبية لاتخاذ مثل هذا القرار، في وقت اقتنعت فيه المجموعة الدولية، أن اجلاس النظام السوري والمعارضة إلى طاولة مفاوضات واحدة، يبقى الوسيلة الوحيدة لوضع حد لإراقة دماء الشعب الواحد. وهو ما يدفع أيضا إلى القول، إن القرار جاء ليجهض لقاء "جنيف 2 "وكسر جهود موسكووواشنطن الساعية إلى وقف هذا النزيف وتبعاته، التي توشك أن تركع دولة قائمة بشعبها وكيانها ومقوماتها الاقتصادية التي انهارت وكأنها قصر من رمل. وحتى إذا سلمنا أن روسياوالولاياتالمتحدة ذهبتا باتجاه تغليب الخيار التفاوضي خدمة لمصالحهما الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، فإنه يمكن القول أيضا إن الاتحاد الأوروبي إنما تحرك من أجل خدمة مصالحه، بعد أن أيقن أن القوتين الأعظم إنما تريدان المحافظة على مصالحهما، من خلال الإبقاء على الوضع القائم وعبر مفاوضات مباشرة بين دمشق والمعارضين لها. ولذلك، فإن قرار الاتحاد الأوروبي بتمكين الجيش السوري الحر من الأسلحة التي يعتقد أنها تكفيه للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، لم يأت حبا في هذه المعارضة وتغليب كفة ميزان الحرب لصالحها، ولكن من أجل أن تبقى أوروبا طرفا مسموع الكلمة في أية ترتيبات مستقبلية لاقتسام "الكعكة الشرق أوسطية" بين القوى العظمى. وإذا أخذنا بهذا الطرح، فإن المسعى الأوروبي يمكن إدراجه ضمن خطة لكسر المسعى الأمريكي الذي تراجع عن فكرة تسليح المعارضة السورية، بقناعة أن الترسانة التي ستسلم لها ستتحول إلى عناصر جبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة العالمي. ورأت واشنطن في مثل هذه الخطوة، أنها ستدفع بالوضع دفعا نحو مجهول عسكري لا يمكن لأي أحد أن يتوقع تبعاته ويجعل الجميع معنيا به بسبب تضارب مصالح قوى إقليمية وعالمية وصراعها العلني والخفي من أجل احتلال موطأ قدم لها في منطقة من تحكم في دواليبها فرض منطقه على كل العالم. ويتأكد من يوم لآخر، أن سوريا حالت دون تمكن أية قوة من تحقيق رغبتها التي عادة ما تدافع عنها بفكرة حماية الأمن القومي، الذي تحدده قوة تأثير كل دولة في اتخاذ القرارات الدولية. وهي القوة التي أراد الاتحاد الأوروبي أن يوظفها في الوضع السوري للدفاع عن مصالحه، رغم أنها سارت هذه المرة في تعارض واضح مع مصالح حليفه فيما وراء الأطلسي. وهو المعطى الذي سيجعل الولاياتالمتحدة في موقف حرج وهي ترى خطتها للخروج من المأزق السوري تنهار أمام أعينها، بقرار لن يزيد الموقف إلا تعقيدا خاصة، وأن هدفه واضح ولا يحمل أية تفسيرات أخرى غير عرقلة الخطة الروسية الأمريكية. كما أن عدم تمكن المعارضة السورية من اختيار ممثلين عنها لحضور ندوة "جنيف 2 " بعد أيام من المفاوضات إن كتب لها أن تعقد، لا يستبعد أن يكون مقصودا مسبقا، وخاصة إذا عملنا أن هذه الندوة التي وصفت بالهامة لن تعرف النجاح إن قاطعها أحد الطرفين المتحاربين، من منطلق أن الحل سيتم بينهما وأن الأطراف الأخرى لن تكون سوى عاملا مساعدا للتوصل إلى تسوية سياسية نهائية. وإلا كيف نفسر قرار الاتحاد الأوروبي بمنح أسلحته إلى المعارضة مادامت غير موحدة ومنقسمة على نفسها، على اعتبار أن أطيافها قد يتحولون إلى أعداء بسبب فتنة السلاح ومسألة اقتسامها. ومهما يكن الأمر، فإن الأيام القادمة ستكشف دون شك تبعات القرار الأوروبي على شعب أنهك وأرغم الآلاف من أبنائه على النزوح وسلك طريق اللجوء لتفادي نيران الفتنة التي جاء هذا القرار ليوقظها.