كشف وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، بالعاصمة العراقية أمس، وبصفة رسمية، عن قرار مبدئي لدمشق من أجل حضور ندوة جنيف الثانية المنتظر عقدها الشهر القادم من أجل إنهاء حرب أهلية طاحنة. وتعد هذه هي المرة الأولى التي تؤكد فيها دمشق وبصفة رسمية قبولها المشاركة في هذه الندوة التي جاءت نتاج اتفاق روسي أمريكي لإنهاء معضلة إقليمية خانقة. وثمن المعلم الذي اختفى عن الأنظار لعدة أشهر، خلال الزيارة المفاجئة التي قام بها أمس إلى العراق، حيث التقى بالوزير الأول العراقي نوري المالكي انعقاد هذه الندوة، وقال إنها ستكون مناسبة جيدة لإيجاد تسوية سياسية للأزمة التي تمر بها سوريا. وجاء الكشف عن قبول دمشق المشاركة في ندوة جنيف، بعد الزيارة التي قام بها نائب الوزير الأول السوري قبل ثلاثة أيام إلى موسكو، وتم الكشف خلالها عن أسماء خمس شخصيات مسؤولة في الحكومة السورية للمشاركة في هذه الندوة. ويمكن القول، إن القرار المفاجئ للسلطات السورية تم في سياق الدور الذي تلعبه موسكو والضغوط التي تمارسها من أجل عقد هذه الندوة، بعد أن اقتنعت أنها المخرج الوحيد من دوامة حرب قد تفقدها كل مصالحها في منطقة الشرق الأوسط. وهو نفس الموقف الذي تكفلت واشنطن القيام به مع المعارضة السورية، التي بدأت تتحفظ وتضع بعض الشروط التعجيزية قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وجعل أطيافها لا تتفق إلى حد الآن حول ما إذا كانت ستشارك أم لا، وإن كانت كل التكهنات توحي أنهم سيشاركون لأنه ليس لهم من طريق آخر لإثبات مكانتهم في المشهد السوري سوى هذه الندوة. ثم أن الولاياتالمتحدة التي ألقت بثقلها الدبلوماسي من أجل تسريع التئام ندوة جنيف، غير مكترثة بالاعتراض الصريح الذي أبدته فرنسا وبريطانيا على فكرة إجلاس السلطة السورية وجها لوجه مع المعارضة. ويتأكد من يوم لآخر، أن الإدارة الأمريكية بدأت تفرض منطقها على الجميع، منذ أن رفضت كل فكرة تسليح الجيش السوري الحر، بعد أن اقتنعت أن خطوة كهذه ستهدد مصالحها أكثر مما ستخدمها، على عكس لندن وباريس اللتان سعتا رفقة أنقرة والدوحة والرياض من أجل تغليب هذه الفكرة دون جدوى. وينتظر، أن يشكل اللقاء المرتقب اليوم بالعاصمة الفرنسية بين وزراء خارجية فرنسا وروسيا والولاياتالمتحدة، نقطة محورية في تحديد مسألة عقد هذه الندوة وتاريخها والمشاركين فيها وما يجب إقراره خلالها. وهي مسائل حساسة ستطرح على طاولة المفاوضات، وخاصة ما تعلق بتحديد المستقبل السياسي لسوريا ومكانة النظام السوري الحالي فيه، وكذا تصورات المراحل التي يجب وضعها من أجل ضمان نجاح المرحلة الانتقالية التي تمهد لبناء سوريا جديدة، لا هي شمولية في ظل النظام السوري الحالي ولا هي تيوقراطية كما تسعى جبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة فرضه، ولكن سوريا تتعايش فيها كل العرقيات والطوائف دون تمييز أو تفرقة. وهي المعضلة الحقيقية التي ستواجه المرحلة الانتقالية، بما يستدعي على الفرقاء والدول المهتمة إيجاد حلول لها اليوم قبل غد، وبكيفية تضمن الانتقال السلس للسلطة دون قلاقل ويكون الصندوق الانتخابي هو الحكم والفيصل بين الجميع.