اختتمت، أمس، أشغال الملتقى الوطني حول الاتصال المؤسساتي، بقراءة التوصيات التي خرج بها المشاركون في الورشات الخمس التي شُكلت لدراسة مختلف الاشكالات ذات العلاقة بالاتصال المؤسساتي. وعرف اليوم الأخير مداخلات في مواضيع شتى من طرف أساتذة جزائريين، كما تم عرض تجربتي بلجيكا وتونس في مجال العلاقة بين المؤسسات ووسائل الإعلام. وقدمت الأستاذة وهيبة حمزاوي قراءة نقدية للمواقع الالكترونية الحكومية في الجزائر خلال عرضها لمحاضرة عنوانها "الاتصال الحكومي ووسائل الإعلام متعددة الوسائط: المواقع والبوابات الالكترونية". واستعرضت في هذه القراءة مميزات أهم المواقع الحكومية على شبكة الانترنت كرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الداخلية، كما قدمت مقارنات بينها وبين بوابات مماثلة في دول أخرى كالمغرب وفرنسا. ومن خلال هذا العرض، أظهرت النقص الكبير المسجل في هذه المواقع شكلا ومضمونا، مشيرة إلى محدودية المعلومات التي تتوفر عليها وعدم تحديثها المنتظم، إذ ترجع آخر الأحداث والنشاطات المنشورة في بعضها إلى عدة شهور، وبعضها الآخر إلى السنة الماضية. كما سجلت غياب فضاءات للتفاعل مع متصفحي المواقع، وإن وجدت فهي غير فعالة، كالاكتفاء بوضع بريد إلكتروني للتواصل، وكذا غياب الربط بالشبكات الاجتماعية كالفيسبوك والتويتر واليوتيوب. وكمثال، أشارت إلى عدم نشر خطاب الوزير الأول، عبد المالك سلال، الذي ألقاه أول أمس في افتتاح الملتقى في موقع رئاسة الحكومة رغم مرور يوم عن هذا الحدث. وعكسها، فإن المواقع المماثلة في المغرب وفرنسا -على سبيل المثال- تتميز بثراء مضمونها وحداثة الأخبار وتنوعها بين المكتوبة والمصورة، فضلا عن توفير فضاءات تواصل مختلفة، كصفحات في الفيسبوك خاصة بالمسؤولين، بل وحتى أرقام هواتف تسمح بالاتصال بهم. وخلصت إلى التأكيد على أن وجود هذه المواقع لابد أن يستغل بأفضل طريقة، مع أخذ التطورات التكنولوجية في هذا الميدان بعين الاعتبار، وتحديث الأخبار في حينها، وتقديم أقصى قدر من المعلومات المفيدة وليس الاكتفاء بوضع بطاقات تقنية عن الهيئة. أما الدكتور رضا نجار، الخبير التونسي في الاتصال الذي تحدث عن تجربة بلاده، فقد ركز على أهمية إعادة بناء مصداقية العملية الاتصالية، وكذا الثقة بين المكلف بالاتصال والصحفي، ملاحظا أن كل طرف يرجع مسؤولية وقوع أي خلل للآخر. وقال إن الخطرين اللذين يمكن أن تواجههما أية مؤسسة أو هيئة في مجال الاتصال هما "الإعلام المكثف" و«نقص الإعلام". وأوضح أن المؤسسات الخاصة في أغلب الأحيان تقوم بالاتصال الجيد، لكنها تركز فقط على إيجابياتها وعلى تحسين صورتها لتغطي مساوئها، فيما يلاحظ أن المؤسسات العمومية تنقصها الشفافية في عملياتها الاتصالية، وهو راجع لتهميش المكلفين بالاتصال أو لعدم كفاءتهم. ولذا فإن فترة الأزمات -كما أضاف- تشهد شحا في المعلومات وصمتا من قبل هذه المؤسسات، وهو مايترك المجال واسعا للشائعات لاسيما عبر الشبكات الاجتماعية. وانتقد المتحدث الفوضى التي يشهدها قطاع الإعلام حاليا بتونس والذي عرف "انفجارا" كميا وهو ماخلق -يضيف المتحدث- "فوضى" اعتبرها رغم ذلك أفضل من النظام الرقابي السابق، لكنه شدد على أهمية تنظيم القطاع. وفي عرضه للتجربة البلجيكية، تطرق السيد بيير غيلبار إلى أهمية معرفة المرسل لحاجيات المستقبل، وأن يعمل على جلب انتباهه طيلة الوقت حتى "لايفقد الصلة به". وقال إنه من الضروري النظر إلى المتلقي ك«شخص بالغ" لأنه في حال التعامل معه كقاصر، فإن العملية الاتصالية ستفشل. وفي هذا السياق، طالب المؤسسات ومختلف الهيئات بعدم التخوف من التعامل مع الصحفيين، قائلا "الصحفيون أشخاص عاديون ... وعليكم امتلاك الجرأة لنسج علاقات معهم، فهم محتاجون إلى أشياء ملموسة ينقلونها للقارئ وليس لأفكار نظرية". واعتبر أن شعبية أي شخصية تتوقف على مدى إدراكها لطريقة الاتصال الصحيحة مع الصحفيين ولكسب ثقتهم. من جانبه، اعترف الأستاذ جمال بوعجيمي في مداخلة بعنوان "الاتصال المؤسساتي والإعلام الجواري" بوجود خلل في الاتصال بالجزائر، "وإلا لما كنا هنا لنناقش هذا الموضوع" كما قال، مشددا على ضرورة الخروج من دائرة "السري" التي يتعامل بها الكثير من المسؤولين الذين عليهم التواصل وإعطاء المعلومة، "وإلا ستقوم بذلك أطراف أخرى، ونكون أمام خطر نشر معلومات خاطئة أو مضللة". وبالنسبة للاعلام الجواري، فأشار إلى أنه حاليا يعاني بسبب الكم الهائل من المعلومات المنشورة، مطالبا بتفعيل هذا النوع من الاتصال عبر وسائل الاعلام الجهوية والمحلية. كما ألح على أهمية الاستماع للناس مسجلا نقصا كبيرا في هذا المجال. هذا النقص وراء حدوث الكثير من الأزمات، كما أكد الأستاذ رضا مزوي في مداخلته "الاتصال المؤسساتي والخدمة العمومية" الذي استدل بإحصاء أكثر من 192 ألف إضراب واحتجاج في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، متسائلا "أين الاتصال المؤسساتي الذي يعمل على معالجة مثل هذه الأوضاع؟" وأشار إلى انعدام "رجع الصدى" الذي يؤدي إلى انتشار هذه الحركات الاحتجاجية التي تكبد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة. وكان اليوم الأول قد عرف كذلك تدخل مشاركين آخرين أكدوا على ضرورة التأقلم مع التطورات الحاصلة في مجال التكنولوجيا الرقمية ليكون "أكثر نجاعة ومصداقية لدى الرأي العام". وأوضح صحفيون وخبراء في الاتصال وأساتذة جامعيون في مداخلاتهم أن ذلك سيساهم في التصدي لكل أنواع الإشاعة ويعزز الثقة بين المجتمع والمؤسسات. كما حثوا المكلفين بالاتصال على مستوى المؤسسات على أن يجعلوا من الشفافية مبدأ عملهم الأساسي "حتى لا تحل الإشاعة محل الخبر الصحيح والنزيه"، معتبرين أن للاتصال المؤسساتي "مكانة أساسية في النقاش الاجتماعي لاسيما حول قضايا الساعة".