رأيت نفسي فيما يرى النائم أقود حزبا ديمقراطيا كبيرا، أسسته ذات ليلة من آخر الشهر، تذكرت وأنا أحلم كيف وجهت الدعوات لحضور الجمعية التأسيسية.. حجزت القاعة فكانت قاعة ”حرشة حسان” على ما أذكر، نظرا للعدد الهائل من المدعوين والمريدين والمتطفلين .. ”تداولت” على المنصة التي كانت شرفية ذات يوم، وألقيت على الحضور خطبا حماسية كثيرة شرحت فيها برنامج حزبي الذي كان قيد التأسيس، فأصابني بعض الغرور جراء الهتافات والتصفيقات التي ألهبت القاعة وحولتها إلى عرس نسوي، الكل يهتف والكل يصفق والكل يصيح أو يرقص ولا أحد يسمع أو يفهم ما يقال. كان المريدون يصفقون دون أن يسمعوا أو يفهموا ما أقول، وفي النهاية، اعتقدت أني أقنعت الناس ببرنامجي وتوجهي وبدا على الناس الاطمئنان.. شكلت مجالس الحزب ولجانه كلها في جلسة تأسيسية واحدة: المجلس الوطني، المجلس التنفيذي واللجان الجهوية، الولائية والبلدية، والخاصة، ثم ترأست أنا كل اللجان وأنهيت مهامها، فما قيمة اللجان وأنا الآمر الناهي، بل ما فائدة الحزب وقواعد الحزب بين استحقاقين.. ؟ أجتمع مع نفسي وأقرر بمفردي، وما الهياكل والرتب لدى الأحزاب الأخرى إلا عبثيات وخدع بصرية في التركيب وألعاب سحرية مكشوفة، لذلك فسأتحدى القاعدة الملتوية الكاذبة المنافقة، وأكتفي بحزب لا هيكل له ولا رتب ولا لجان، ألم يقل أحدهم إذا أردت أن تقضي على أمر فأسس له لجانا؟، وأن المركب الذي يتعدد ربانه يغرق، فهل هم أذكى وأفصح من هذا الحكيم؟ المهم عندي أنني أسست حزبا وسطيا معتدلا لا يشبه الأحزاب الأخرى، معتدلا حد التطرف، لا يعادي جهة، ولا ينبذ مذهبا ولا يرفض مبدأ، تقوم فلسفته على إرضاء الجميع لأن إرضاء الناس من إرضاء الله، وطاعة الغالب ومداهنته من دروس التاريخ وخلاصاته، وتقارب الأديان، ضرورة عصرية كما في السياسة والاقتصاد والثقافة، وبعثت برسائل دعائية إسترضائية، لكل المنظمات، الأحزاب والجمعيات في العالم، أعلن فيها عن تبني سياساتها، أفكارها ومبادئها وأطلب مساندتها ودعمها، مقابل منحها صوتي وتأييدي متى كانت في حاجة إلى ذلك دون تردد وفي جميع المحافل وحتى النزاعات. وما إن شعرت بنشوة الانتصار وتأييد أصدقائي هناك حتى نصبت نفسي ملكا، ثم إمبراطورا رغم حداثة سني، وتنازلت عن منصب رئاسة الحزب لمن يطلبه.