كشفت حالة الاحتقان السياسي في مصر وتنافر مواقف طرفي معادلة السلطة والمعارضة على محدودية الخيارات المطروحة، لإنهاء أعقد أزمة حكم يعرفها أكبر بلد عربي عاما، بعد نجاح أول تجربة انتخابات تعددية وصفت حينها بالديمقراطية. وجعلت حالة الانسداد القائمة كل الإمكانيات للتوصل إلى حل يرضي الفرقاء شبه مستحيل، إذا أخذنا بموقف معارضة تؤكد أن الرئيس مرسي لم يعد أهلا لإدارة الشأن العام المصري، وبين هذا الأخير المتشبث بشرعية بقائه، بقناعة أنه منتخب ولا أحد بمقدوره إرغامه على الرحيل. والواقع، أن الأوضاع في مصر كانت مرشحة لأن تصل إلى مثل هذه النهاية، بعد أن وجدت أحزاب المعارضة في ضعف الأداء الحكومي ذريعة لإعلان ثورة ثانية على سلطة الحزب الاخواني، بدعوى عدم إيفائه بالوعود المقدمة لغد مصري أفضل. وفي مقابل ذلك، فإن حزب العدالة والتنمية لم يجد وسائل تجسيد سياساته، التي قطع الوعد بأن ينفذها لصالح شعب عانى ويعاني شتى أنواع الحرمان والتهميش. ولكن هل كان بإمكان رئيس دولة أن يجسد سياساته التي التزم بها وحظيت بتأييد أغلبية الشعب المصري عاما بعد انتخابه، ضمن إشكالية فرضت نفسها وتدفع إلى النبش في دواعي هذا الحراك الذي تقوده أحزاب ثارت ضد نظام "ديكتاتوري"، وهي اليوم تثور على نظام منتخب ديمقراطيا؟. والذي يجب قوله إن مرسي وحزبه يكونان قد وقعا في خطأ استراتيجي عندما قدما وعودا وردية وهما لا يملكان وسائل تجسيدها، وعندما نعلم أن الأموال هي عصب إدارة الشأن العام، إلا أنها شكلت الحلقة المفقودة لدى سلطة إخوانية حديثة العهد بالممارسة السياسية، مما جعلها تدفع ثمنا باهظا سنة بعد استلامها الحكم. وإذا سلمنا بخيار رحيل نظام الرئيس مرسي، الذي بدأت بوادره تلوح في الأفق، فهل باستطاعة النظام الذي سيخلفه أن يسوى العامل المصري البسيط التواق إلى العيش في كنف الحرية وفلاح صعيدي يسعى جاهدا لكسب قوت يومه بكرامة ودون حيف أو مضايقات؟. وإذا أخذنا بقاعدة الوسائل المتاحة لتنفيذ أية سياسة، فإن الوضع لن يتغير سواء في ظل حكم الإسلاميين أو العلمانيين، ولا يستبعد أن يتعرض هؤلاء لنفس سيناريو أحداث الساعات الأخيرة، ليجدوا أنفسهم مرغمين على الرحيل، وتبقى عجلة السلطة في مصر تدور في حلقة مفرغة ولن ينفع حينها اللجوء إلى الجيش الذي يتم الاحتكام إليه كلما انفرط عقد السلطة وزاد خطر الانفلات نحو المواجهة المفتوحة.