لا يبدو أن المتاعب التي سيخلقها العميل الأمريكي ادوارد سنودن لروسيا، ستنتهي بمجرد أنه أراد أن يحصل على اللجوء إلى هذا البلد، بل أن موسكو ستكون مقبلة على تحمل ثقله، بالنظر إلى موقف الولاياتالمتحدة التي أصبحت تنظر إلى الأمر بكثير من الحساسية. فعندما قبلت السلطات الروسية استقباله قادما إليها من هونغ كونغ، كانت تعتقد أن أمره سيحسم خلال ساعات أو أيام بمجرد أن تبدي دولة ما استعدادها منحه اللجوء لديها، ولكن حسابات موسكو أخطأت التقدير عندما تيقنت أن سنودن تحول من مجرد حلقة عميل فر من بلاده إلى مسلسل حقيقي، تؤكد كل التقديرات أنه مرشح لمعرفة نهايته قريبا. وهو ما جعل قضيته تتحول فعلا إلى قضية دولة بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين، الذي شكل له سنودن عبئا ثقيلا وخاصة أنه وضع موسكووواشنطن وجها لوجه في قضية لم يكن أحدا يتوقعها. والمؤكد، أن رغبة العميل المخابراتي الأمريكي المفاجئة بالحصول على حق المواطنة الروسية سيزيد من درجة تذمر الإدارة الأمريكية، التي شكل لها سنودن قنبلة موقوتة بالنظر إلى أهمية وحجم المعلومات السرية التي بحوزته. وهي لأجل ذلك تخشى أن يبلغ به "جنونه" الحد الذي يجعله يفرغ ما في جعبته، مع كل الأضرار الاستراتيجية التي يمكن أن تلحق الولاياتالمتحدة ويمس بصورتها في العالم. ويكفي فقط العودة إلى الضجة الكبيرة التي فجرها، عندما أكد على قيام أجهزة المخابرات الأمريكية التنصت على حكومات دول صديقة، وهو ما أدى إلى زلزال دبلوماسي حقيقي بلغت قوته الدرجة التي زعزع الثقة بين واشنطن وحلفائها الغربيين. ولكن روسيا إذا كانت قد رأت أنه من مصلحتها منحه حق المواطنة، فإنها تكون نظرت إليه على أنه كنز مخابراتي لا يجب أن تتركه ينفلت من بين أيديها لصالح دولة أخرى، وحتى وأن كانت فنزويلا أو نيكاراغوا. ورغم أن الرئيس الروسي أكد أن العلاقات بين الدول أكثر أهمية، من مجرد الاهتمام بأنشطة أجهزة المخابرات، إلا أنه نبه سنودن بأن أنشطته لا يجب أن تمس بالعلاقات الثنائية مع بلده الأصلي. وهي المصالح التي تجعل السلطات الروسية في حرج كبير، وهي تتعامل مع طلب سنودن لأن يصبح مواطنا روسيا، في وقت تصر بلاده على استعادته لمحاكمته بصفته جاسوسا ضد مصالح بلاده. ولكن الرئيس الروسي حتى وأن أبدى رغبة غير معلنة بعقلية رجل المخابرات المتمرس في الاحتفاظ بالعميل الأمريكي، إلا أنه من وجهة نظر براغماتية لا يريد أن يدخل بسببه في مواجهة مفتوحة مع الولاياتالمتحدة، بالنظر إلى حجم المصالح التي يريد الابقاء عليها مع غريم الأمس. وأعاد سنودن بخرجته غير المفاجئة إلى واجهة الأحداث حرب الجواسيس بين أجهزة المخابرات الغربية والشيوعية، والتي زادت في درجة تجمد الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي إلى غاية سقوط جدار برلين نهاية ثمانينات القرن الماضي.