اختارت الفنانة التشكيلية ناريمان سادات، أن تكون الصحراء الشاسعة منبعا لإبداعاتها، مستغلة تراث هذه المنطقة وبيئتها كي تحوّلها إلى تحف أقل ما يقال عنها إنها متميزة، بعيدة عن التكرار أو الاستعراض. ناريمان فنانة عصامية لها علاقة وطيدة بالفن التشكيلي، انطلاقتها الأولى كانت مع الريشة والألوان؛ فهي كغيرها من الفنانين انجذبت للطبيعة وللتراث ولبعض المواضيع الاجتماعية، شاركت في عدة معارض جماعية وأخرى فردية، كلها تقريبا بالعاصمة. خاضت بعدها تجربة أخرى، وهي الرسم على الحجر دون أن تكرر أعمالا أخرى سبقتها، كان ولعها الأول رسومات التاسيلي، فنقلتها بلمستها الخاصة وبتصورها كفنانة تحب التميز والاستقلالية عن غيرها. تقول الفنانة خلال حديث جمعها ب “المساء”: “أستعمل المواد الطبيعية منها الحجر طبعا والرمل وعلف التمر والقماش، الذي يستعمله سكان الصحراء لتغليف قرب الماء كي يبرّدها، ثم أصمّم وأحوّل هذه المواد الأولية إلى تحف وقطع فنية ولوحات، فأحيانا، مثلا، أضع الأحجار المرسومة داخل أطر (لوحات) كي تبدو كلوحة فنية متكاملة”. ترى الفنانة أن مسألة الإلهام شيء فطري، لا علاقة للفنان ولا دور له في اكتسابها؛ فهي “تأتيه طواعية دون أن يطلبها”. تميل ناريمان إلى الألوان الساخنة خاصة البني والأصفر القاتم، ذلك لأنها جزء من مشهد الصحراء. للإشارة، فقد تخصصت الفنانة في هذا النوع من الفن المرتبط بالصحراء منذ سنة 2007، وترى فيه اليوم فنا قابلا للتطور، وهو ما تفعله تجاهه؛ حيث تعمل على تطويره أكثر؛ لأن ذلك سيثمّن تراثنا أكثر. وتقول إن هذا الأسلوب يعجب كثيرا الجمهور كما يجذب السياح الأجانب؛ لأنهم يرون فيه الأصالة والطبيعة. عن تطويرها لهذا الفن أشارت ناريمان إلى أن ذلك يكمن في طريقة العمل وتجسيد الرموز التي لا تغيّرها، بل تعيد إنتاجها بطريقة فنية. استعملت الفنانة رسومات التاسيلي على الأحجار وفي قواعد لقطع ديكور وفي لوحات، حيث تغلّف قاعدة اللوحات أو خلفيتها بالرمل الملوّن، ثم تجسد عليه رسوماتها المختلفة والمتنوعة، وأحيانا تستعمل علف التمر بطريقة التركيب، وهي تقنية جديدة ابتدعتها في الفترة ما بين 2012 و 2013، وتتمنى تطويرها أكثر. تختلف ناريمان - حسبما أكدته - عن باقي زملائها الفنانين؛ كونها استطاعت الوصول إلى بصمة خاصة بها يكتشفها النقاد والجمهور؛ سواء في الأحجار أو علف التمور أو على القماش، الذي تزركشه تماما كاللوحة بإبداعاتها. وأكدت الفنانة أن بعض أساتذتها وبعض النقاد حاولوا دوما تشجيعها، منهم الأستاذة طالبي عكاشة وشقران، ويؤكدون في كل مرة مدى التزام الفنانة بالجديد والمتميز الذي يعكس تطويرها لهذا الفن الأصيل. تعشق ناريمان رسومات التاسيلي وتوظفها فنيا وتستهويها مضامين تلك الرسومات، وتقول: “أتناول موضوع الصيد والحرب تماما كرسومات التاسيلي، فلقد كانت تلك الرسومات تعبيرا عن الحياة اليومية، تتجسد في رموز إضافة إلى بساطة وحرية التعبير فيها، وكلها أمور جذبتني وجذبني معها الصدق والعفوية، وهو دافع كي أحاول إحياء تلك الرموز ذات القيمة التي تجاوزت عصرها”. من جهة أخرى، تعطي الفنانة لجمهورها مجالا مفتوحا لقراءة الماضي السحيق ومقارنة قيمه وفنه بالحاضر والمستقبل، فتلك الأمور - حسبها - رسالة للأجيال تتوارثها، كما أن كل واحد من عشاق هذا التراث له تقييمه وقراءته الخاصة، مما يزيد هذا التراث غنى وتجددا. ناريمان دائمة البحث في تراث التاسيلي من خلال أبحاثها الخاصة ومن خلال الوثائق التاريخية والأفلام والكتب وغيرها، وهو الأمر الذي يعزّز فنّها ويعطيه المصداقية، ما جعل الجمهور يؤكد أنه يرى إبداعا خارج إطار المألوف والعادة، مما شجّعها أكثر. وتعمل ناريمان في ورشتها الخاصة بمنزلها بالعاصمة، ولها العديد من المشاريع منها معرض ستقيمه قريبا في حيدرة بمطعم لاتيراس، وآخر مع مؤسسة “فنون وثقافة” شهر ديسمبر القادم، كما أنها أقامت معرضا قبل رمضان بفندق الجزائر، جلب الكثير من الجمهور خاصة الأجانب، الذين أُعجبوا بأصالة العمل. تبقى أمنية ناريمان أن تقيم معارضها في المناطق الداخلية للوطن وفي الخارج، كي يطّلع الجمهور على تراثنا الوطني ذي البعد الإنساني، وهو واجب - حسبها - لا بد من الوصول إليه. للتذكير، فإن ناريمان سادات عاملة بشركة وطنية تابعة لوزارة المالية، ورغم وقتها المزدحم إلا أن للفن مكانة اليوم في حياتها.