أمر الله تعالى المؤمنين الصالحين بالمسارعة إلى الصالحات والتسابق إلى أعمال البر، ويتجلى ذلك في قوله سبحانه وتعالى: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير»، سورة البقرة الآية 148. ووصف عز وجل المؤمنين المتقين بأنهم هم الذين يسارعون في الخيرات، ويتسابقون إلى فعلها إذ قال تعالى: «أولئك الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنّهم إلى ربّهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون». سورة المؤمنين الآية 60. لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في المسارعة إلى الخير، وعدم تأخير المسابقة إليه، فعَنْ عُقْبَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا من سرعته فقال: ذكرت شيئا من تبر عندنا، فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته. هذا و كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وأَجْوَدُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ، أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلة، فتراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت نائلُهْ، هو البحرُ من أيِّ النَّواحي أتيتهُ فَلُجَّتهُ المعروفُ والجودُ ساحلُهْ، تعوَّدَ بسطَ الكفِّ حتَّى لوَ أنَّهُ دعاها لقبضٍ لم تُجِبْهُ أناملُهْ، فتعلّم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم هذا الخلق الطيب، فراحوا يتسابقون على فعل الخيرات. روى زيد بن أَسْلَمَ عن أبيه، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالاً، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: وَاللهِ، لاَ أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.. فحياة الإنسان مهما طالت أو قصرت، يأتي يوم يرحل فيه العبد من دار الفناء لدار البقاء، ولا يبقى من أثره إلاّ العمل الصالح والسمعة الطيّبة، فالمؤمن الحق يغتنم حياته فيما سيلقاه من أجر وثواب عند ربّه، لأنّ ما عند الله خير وأبقى، فيبادر إلى أعمال البر ويبذل ماله وجهده وراحته في سبيل من هم بحاجة إليه، فالمبادرة إلى الخير دليل على يقين المؤمن بربه، وبأنّ الرزق بيده، وأنّ الصدقة لا تنقص المال بل تزيده، ويقينه بأن هناك جزاء، حساب وعقاب لقوله عزو جل: « فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون». سورة المائدة الآية- 48. المسارعة إلى الخيرات مفتاح خير آخر جاد به رمضان علينا، فكم تسعدنا رؤية تكافل أفراد المجتمع ومسارعة الغني والفقير على حد ّسواء الى عمل الخير، الغني يساهم بما أنعم الله عليه من مال، والفقير يساهم بجهده وراحته فيحدث التلاحم والتكامل المفروض، وجودهما ليس فقط في رمضان بل في سائر الأشهر الأخرى، ليحق لنا أن ننتسب الى فئة المؤمنين التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلّم بالجسد الواحد.