في ظلّ نشاطها الثقافي الرمضاني، استضافت الجمعية الفلسفة الجزائرية، كلا من الأستاذ مخلوف بوكروح ولدرع الشريف، لندوة فكرية ناقشا خلالها واقع المسرح تحت عنوان : ” أزمة المسرح في الجزائر “ حضرها جمع من المفكرين و المثقفين. أكدّ الأستاذ الشريف لدرع في مداخلته حول أزمة المسرح، أنّ وضعية المسرح في الجزائر تجمع بين نقيضين إذا ما نظرنا للبيان الذي تضمنه إنشاء المسرح الجزائري منذ خمسين سنة، فما أكثر المتناقضات التي سادت وقام عليها المسرح الوطني الجزائري، حيث كان في البداية التفكير في بناء مسرح شعبي على أسس الأصالة، لكن قبل النشأة سادت هناك صراعات وتناقضات جمعت بين الأطراف التي أنشأت المسرح الوطني. واستعرض الأستاذ لدرع واقع المسرح قبل الثورة وإبان الاحتلال الفرنسي، حيث لم يكن مسرحا وطنيا بل اعتمد على الفرق التي أعلنت ولاءها للحركة الوطنية ثم الثورة، ما قدمه الجزائريون والفرق الفرنسية الزائرة لم تحظ بالجماهير، حيث كانت أهواء هذه الفرق في واد وميولات الجماهير في واد آخر، حسب عبد الرحمن كاكي، وهذا مايبين التناقضات. ويرى لدرع أن مسرح باشطارزي هو الأكثر شعبية في الجزائر المستقلة. مضيفا أن اللغة اليومية للقصبة هي اللغة التي تعلقت بالجانب اللساني، بل تعلّقت بأسلوب تنظيم الفضاء المسرحي والتقاليد الثقافية الوطنية، وما يفتقده المسرح الوطني اليوم هو الكتابة الوطنية الأصيلة، مؤكدا أنه رغم نقص المؤلفين منذ الخمسينيات والشروط الجهنمية التي كانت تشترطها سلطات الاستعمار، استطاع المسرح أن يكوّن جمهوره، وهذا المكسب الجماهيري فقده المسرح إبان الاستقلال وأصبح عدد الذين يحضرون عرضا مسرحيا لا يزيدون على ثلاثة متفرجين. وأضاف الشريف لدرع، أنّ عروض المسرح تتواجد في غياب الكتابة المسرحية الأصيلة، كما أن هناك عوامل أخرى ساعدت في تأزيم المسرح مثل عامل التكوين الذي أصبح موضوعا ملحا. وأكد لدرع أن المسرح الجزائري لم يكن اقتباسا للمشرق العربي أو للغرب، ولهذا يرى أن تشجيع المسرح الجزائري أضحى أكثر من واجب، لأن من يعجز عن تمثيل نفسه لا يمكن أن يمثله الآخرون. أما الأستاذ مخلوف بوكروح، فقد قدم في مداخلته مجموعة من الانتقادات حول بعض الاختلالات المسرحية الموجودة في بلادنا منها وضعية الثقافة في الجزائر التي لم تأت من فراغ، بل عرفنا المسرح الجزائري منذ الاستقلال، ولمعرفة مسيرتنا الثقافية لا بد من العودة إلى التاريخ، لأنه من الصعب دراسة حالة الثقافة وتحديد الاختلالات الموجودة أساسا في المجتمع لأنها كثيرة، وهي اختلالات سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية، وإن كانت هناك أزمة مسرحية وثقافية فهناك أزمة مجتمع، فكيف يزدهر المسرح في بيئة تتصف بانعدام الحيوية وجو لا يساعد على الإبداع. وأضاف بوكروح في تحليله، أنّ المسرح جزء من مشكلات الثقافة التي عندنا، مايعيشه المسرح عندنا ليس أزمة تخص التأليف أو الإخراج والتمثيل والتظاهرات، ولكن ما يعيشه المسرح أزمة مركبة، لأن المسرح فن مركب ومعقّد تجتمع فيه كل العناصر. أما فيما يخصّ تاريخ الحركة المسرحية في الجزائر ومسيرتها، فليست بالطويلة -حسب المحاضر- فالتجربة مازالت حديثة. مضيفا في عرضه التحليلي، أن المسرح الجزائري ساهم بشكل كبير في مسألة الهوية، حيث تم إبان الثورة التحريرية تأسيس فرقة جبهة التحرير الوطني التي لعبت دورا فعالا في التعريف بالثورة، أما المسرح في فترة الاحتلال الفرنسي فيرى بوكروح أنه مكّن الجزائريين من تجسيد حضورهم رغم المشاكل والصعاب فلعب دورا نضاليا وثقافيا. والمسرح بعد الاستقلال -يضيف بوكروح- سجل حضوره في نشاطه المكثف في المسرح الهاوي والمحترف، وما قدمه في فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من عروض كان قويا من حيث النصوص، ومتنوعا جزائريا وعربيا وعالميا. أما فيما يخص مستوى العروض، فيرى بوكروح أنها كانت متميزة وكانت عروض الهواة لا تقل عن مستوى المحترفين متميزة في الصحافة الوطنية. وانتقد بوكروح عدم إنشاء فضاءات مسرحية، وتلك الموجودة غير موزّعة توزيعا عادلا، ولهذا ينبغي التفكير في موضوع الفضاءات التي لا تتيح الفرجة الغريبة عن خيال المجتمع الثقافي. أما من حيث النص، فهناك نصوص محلية جيدة، ورغم ذلك، لم نتمكن من ترقية الكتابة المسرحية، فمازال للمسرح تخلف قياسي بالنسبة لهذه الأشكال الفنية كالقصة والرواية والقصيدة، كما نسجل عجزا في النصوص، حيث نجد أن معظم النصوص الأخيرة مرتبطة بالرباط الظرفي المناسباتي. كما لاحظ المحاضر غياب النقد المسرحي رغم أنه من الأركان الأساسية وقيمة مضافة إلى جانب الإبداع، كما نجد ضعفا كبيرا في الأداء، إضافة إلى غياب الجمهور. وخلص المحاضر لمعالجة أزمة المسرح، أنّ بداية المعالجة هي التكوين إذا أردنا إصلاح المسرح، ولابد من الاعتماد على المناهج ووضع شروط قاسية والسهر على فتح ورشات التكوين في الجامعات والاهتمام بالخطاب الجمالي.