عاش جمهور المسرح الجهوي بوهران مؤخرا، لحظات ممتعة مزجت بين الكوميديا والدراما؛ حيث أبدع الممثل محمد ميهوبي في دوره الذي شد به الحضور وكذا بجرأته المميزة لأعماله الفنية التي أداها لسنوات طويلة بالمسرح؛ حيث يتميز هذا الفنان يإلمامه بتقنيات المونولوج وقدرته الفائقة في إيصال خطاباته لجمهوره؛ بحيث لم يختلف عرضه الفردي “بربي مير” عن تلك الرسائل المشفّرة التي اعتاد أن يوجّهها مخاطبا المجتمع. في مونولوج “بربي مير” امتزج الهزل بالجد في لوحة تكاملية، وضع خلالها محمد ميهوبي الأصبع على الجرح وسرد بشيء من السوداوية، عيوب تسيير بعض المسؤولين للمدينة وإن كان لم يحدد الشخصيات، ولكنه اختار أن يتقمص دور مترشح يرغب في ترؤّس إدارة وتسيير شؤون البلدية، فيوجه خطابات لفئة الشباب والمقصيين اجتماعيا لاستمالتهم، خطابات تحمل الكثير من الوعود والقليل من الصدق والكثير الكثير من الكذب. محمد ميهوبي رسم طيلة العرض مشهدا لمجتمع لازال يعاني من مختلف الظواهر الاجتماعية السلبية التي تعيق تطوره، منها التهميش والحڤرة والغبن الاجتماعي، كما توقف عند بعض التجاوزات الممارَسة في حقل السياسة، ولعل ما شد الانتباه خلال هذا العرض هو حين يتخذ من حاوية لرمي القمامة، كان يستخدمها كمأوى منصة يخاطب من عليها الجمهور أثناء حملته الانتخابية عندما يقرر الترشح، وهي تعبير صارخ على حقيقة بعض المرشحين وماضيهم العفن. واضح الذي تقمّص شخصيته ميهوبي يعد منتخبيه بأن يجعل من مدينتهم جنة فيحاء، وسيزرع النخيل في كل مكان بالمدينة وحتى بشارع واجهة البحر، في حين يتجاهل كغيره المعاناة الحقيقية للمواطنين من سكان المدينة، ولا يلتفت البتة إلى مشاكلهم، تماما كما فعل بعض المسؤولين الذين أعمتهم السلطة بمجرد اعتلائهم كرسي المسؤولية بوعودهم وانصرافهم عن خدمة المواطن والاكتفاء بتجريب مشاريع فاشلة. مشاهد مضحكة تهكّم فيها ميهوبي بكثير من الذكاء على ألوان عربات” الترامواي” الذي يحمل ألوان فريق جمعية وهران المحلي، ولعل ما أضحك الجمهور حين قال المترشح المفترض خلال أحد خطاباته: “سأجعل من وهران شبيهة بورڤلة”، وللكلمة معناها ومغزاها الذي فهمه الحضور؛ شيء من الفكاهة وكثير من الانتقادات للمسيّرين المحليين وفشلهم الذريع في إدارة شؤون المدينة، فشل جعلهم أبعد ما يمكن عن احتياجات المواطن البسيط واستغلالهم لمعاناة الشباب وثقل أوزار الغبن الاجتماعي لرسم مشاريع وهمية تعشش في مخيلتهم وينطق بها لسانهم إلى حين حصولهم على الكراسي والمناصب. تأثير الكرسي والمسؤولية يجعل المترشح ينقلب على من وضعوا فيه الثقة ويستخف بأحلام البسطاء؛ صورة مصغرة لواقع نعيشه ونتعايش معه كل مرة. مونولوج “بربي مير” عمل مسرحي في الصميم، زيّنته تلك المواقف الطريفة، وزادته جودة حركة الممثل على الخشبة والقدرة على الارتجال والانتقال بسلاسة من وضعية إلى أخرى، وكذا التموّجات في الخطاب أو النص المسرحي من ذروة الحدة إلى الخفة، وهي قدرات استطاع من خلالها محمد ميهوبي وكعادته، أن يصنع الفرجة ويشد إليه الجمهور الذي حضر بقوة وصفق له طويلا؛ اعترافا بإبداعه.