اهتزت مدينة طرابلس كبرى مدن الشمال اللبناني، أمس، على وقع تفجيرين عنيفين هما الأدمى منذ فترة الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان في ثمانينات القرن الماضي، استهدفا مسجدين لحظة خروج جموع المصلين بعد انتهائهم من أداء صلاة الجمعة مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى وإصابة مئات آخرين. وارتفعت حصيلة الضحايا تباعا من 19 إلى 27 إلى 42 وأكثر من 500 جريح، حسب وزير الصحة اللبناني، علي حسن، وتبقى مرشحة للارتفاع بكثير بسبب خطورة الإصابات ودرجة الحروق التي أصيب بها العديد من الجرحى. وانفجرت سيارتان مفخختان بفارق زمني بسيط، استهدفت الأولى مسجد التقوى القريب من منزل رئيس الحكومة المنتهية ولايته، نجيب ميقاتي، بوسط طرابلس والذي يوجد خارج البلاد، بينما استهدفت الثانية مسجد السلام القريب من الميناء وغير البعيد عن منزل أشرف ريفي قائد سابق في الشرطة. وتسبب التفجيران في هلع ورعب كبيرين لدى السكان الذين سارعوا إلى المستشفى الرئيسي بالمدينة للبحث عن ذويهم من قتلى وجرحى. وزاد في فظاعة المشهد جثت وأشلاء القتلى بين متفحمة ومتناثرة على الأرصفة والطرقات وقد تلطخت بدماء الضحايا الذين سارع المواطنون إلى إسعافهم ونقلهم بين أيديهم وفي سياراتهم الخاصة إلى أقرب المستشفيات، قبل أن تصل سيارات الإسعاف وفرق النجدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وأحدث التفجيران دمارا هائلا بالمكانين المستهدفين، حيث بثت الشاشات التلفزيونية صورا تظهر عشرات السيارات وقد أحرقت بكاملها وألسنة اللهب تلتهم ما تبقى منها وانهيار واجهات المباني والمساكن المحيطة، مع ارتفاع دخان كثيف في سماء المدينة. ومباشرة بعد التفجيرين فرضت قوات الجيش اللبناني طوقا أمنيا حول مكاني التفجيرين بينما انتشرت أعداد كبيرة من المسلحين بمختلف شوارع المدينة، حيث كان يسمع بين الفينة وأخرى إطلاق أعيرة نارية في الهواء. وكانت مدينة طرابلس قد تحولت منذ احتدام الصراع الدامي في سوريا إلى مسرح لاشتباكات ومواجهات دامية بين أنصار الرئيس السوري بشار الأسد والمناهضين له، مما أثار المخاوف من مغبة إقحام لبنان في الصراع السوري بكل ما يحمله ذلك من إسقاطات وتداعيات خطيرة للازمة السورية على وضع داخلي لبناني هو في الأصل غير مستقر. ويعزز هذه المخاوف كون تفجيري أمس يأتيان بعد أسبوع فقط من التفجير الدامي الذي استهدف الضاحية الجنوبيةلبيروت إحدى أهم معاقل حزب الله والذي خلف مصرع 27 شخصا وأكثر من مائتي جريح. وهو ما جعل الجنرال جون قهوجي قائد الجيش اللبناني يؤكد غداة تفجير الضاحية أن قواته في "حرب كاملة" ضد "الإرهابيين"، مشيرا إلى أنها تتابع منذ عدة أشهر خلية "تعمل على تفخيخ السيارات" من بينها تلك التي استخدمت في تفجير الضاحية الجنوبية. كما أكد أن هذه الخلية "لا تستهدف منطقة بعينها أو طائفة محددة ولكنها تسعى إلى إثارة فتنة طائفية عبر استهداف مناطق مختلفة". ولان تفجيري أمس استهدفا مدينة طرابلس التي تعد أيضا من بين معاقل حزب الله فقد ربط هذا الأخير بين هذين التفجيرين وتفجير الضاحية الجنوبية. وقال إن هذه التفجيرات التي تستهدف معاقله بالدرجة الأولى تندرج في إطار "مخطط يهدف إلى رمي لبنان في دوامة الفوضى والدمار". وقد تصاعدت العمليات التفجيرية التي تستهدف معاقل حزب الله منذ إعلان هذا الأخير إرسال قواته إلى سوريا للمحاربة إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد ضد المعارضة المسلحة في موقف استهجنته عدة أطراف لبنانية رأت فيه بمثابة إقحام لبنان في الصراع السوري. وتوالت ردود الفعل المنددة بالتفجيرين، حيث قال سعد الحريري رئيس الوزراء الأسبق وزعيم تيار المستقبل أن "مروجي الفتنة لا يريدون للبنانيين أن يعيشوا في سلام ولو لحظة واحدة، يريدون أن تقتل آلة الموت مزيدا من الأبرياء في كل لبنان". من جانبه، أدان نجيب ميقاتي رئيس الحكومة المنتهية عهدته بشدة تفجيري طرابلس وأكد أن الهدف منهما "زرع الفتنة وجر مدينة طرابلس وأبنائها إلى ردات الفعل" في إشارة إلى تداعيات الصراع السوري على لبنان. بالتزامن مع هذين التفجيرين شنت إسرائيل، أمس، غارة جوية على منطقة الناعمة جنوببيروت استهدفت موقعا للجبهة الشعبية القيادة العامة الموالية لسوريا. وأدان الرئيس اللبناني ميشال سليمان بشدة الغارة الإسرائيلية، حيث طلب من وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، عدنان منصور، تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي "ضد هذا الاعتداء" الجديد على لبنان. واعتبر الرئيس سليمان أن الخروق على الحدود تعالجها لجنة التحقيق التابعة للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) "وليس بالعدوان وانتهاك السيادة اللبنانية كما فعلت إسرائيل في الناعمة"، وذلك في إشارة إلى إطلاق أربعة صواريخ أول أمس من منطقة صور بجنوب لبنان باتجاه شمال إسرائيل.