باستثناء الشاعرة زينب الشهارية (توفيت سنة 1702)، فإن المصادر الأدبية والتاريخية لم تشر إلى اسم لأي أديبة يمنية حتى منتصف القرن العشرين، وهو ما يعني أن المرأة اليمنية ظلت على مدى التاريخ غائبة عن المشهد الأدبي، زاهدة فيه ومقتنعة بأنه حكر على (فحول الشعراء) من الرجال. هي نظرة سادت لقرون ، غير أن المتغيرات الاجتماعية والفكرية التي حدثت في العصر الحديث دفعت المرأة اليمنية الى خوض غمار هذه التجربة، فحققت حضورا قد لا يكون قويا لكنه مستمر، ويكتسب مشروعيته من خلال أسماء مبدعة استطاعت أن تمنح الأدب النسوي وجودا حقيقيا. ويجمع عدد من الدراسات النقدية أن أول نص في الأدب النسوي اليمني في العصر الحديث كان سرديا، إذ نشرت صحيفة «اليقظة» العدنية في عددها الصادر في العاشر من أكتوبر 1957، نصا قصصيا بعنوان «نبيل» لكاتبة مجهولة، اكتفت بكتابة كنيتها «أم حمزة» في آخر هذا النص. ثم توالت بعد ذلك الأعمال القصصية لعدد من الأديبات، مثل فوزية عبد الرزاق وسامية محمود، وتوّجت القاصة شفيقة زوقري هذه المرحلة بإصدار أول مجموعة قصصية بعنوان «نبضات قلب» عام 1970. ولعل الأديبة فاطمة العشبي كانت الشاعرة اليمنية الأولى التي أعلنت عن نفسها شعرا، ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي، ولم يمض عقد من الزمن حتى كان المشهد التسعيني مبشرا بعدة أصوات في المشهد السردي؛ كهدى العطاس، نبيلة الزبير، نادية الكوكباني وأروى عثمان. وفي المشهد الشعري؛ هدى أبلان، ابتسام المتوكل وسعاد عبد الملك، صدرت لهن جميعا أعمال مثلت بعضها إضافة نوعية للمكتبة الأدبية. أول ملامح الأدب النسوي في اليمن هو اتساع مساحة السردي على حساب الشعري، وفق الباحثة إيناس قائد التي عللت هذه الغلبة السردية بميل الأديبة اليمنية إلى طرح تجاربها عبر فضاءات مفتوحة، بعيدا عن قيود الشعر وقوانينه الصارمة. وتؤكد إيناس قائد أن السردية كانت استجابة تعبيرية ملحة للمنطلق الاجتماعي للأدب النسوي في اليمن، وهذا المنطلق سمة أخرى بارزة، يؤكده تفاعل المرأة مع قضايا المجتمع، كقضية الثأر، غلاء المهور، حرمان المرأة من الميراث ومنعها من التعليم، وغيرها من القضايا التي تركت بصماتها على أدب المرأة اليمنية في الوقت الذي انشغل فيه العديد من الأدباء الرجال بقضايا السياسة والصراع الأيديولوجي. وحول غياب المسار النقدي في الأدب النسوي، تؤكد الشاعرة هدى أبلان أن ذلك لم يكن بسبب اعتبار النقد استرجالا فكريا واستعراض عضلات، بدليل ظهور أصوات نقدية نسوية في الفترة الأخيرة، لكنها لم تصل بعد إلى الظهور المطلوب، وسيأتي اليوم الذي تحقق فيه حضورا لافتا، شأنهافي ذلك شأن رائدات المشهدين السردي والشعري. وتؤكد القاصة الدكتورة نادية الكوكباني على ارتباط الأدب النسوي بالصحافة الأدبية المتخصصة التي ظهرت في العقدين الأخيرين، كصحيفة «الثقافية» التي كانت تصدر عن مؤسسة الجمهورية في تعز، وملحق الثورة الثقافي، حيث أتيحت الفرصة لعدد من الأقلام النسائية بالظهور، فحققت شهودا لافتا. وثمة ملمح بارز يشير إليه الناقد الأديب عبد الرحمن مراد، يخص النص الشعري وحده، حيث يلاحظ اقتصار العديد من الشاعرات على الأنماط الجديدة، كقصيدة التفعيلة أو قصيدة النثر. ويرجع مراد في ذلك إلى سببين اثنين: استسهال القوالب الجديدة التي تعفي الأديبة من دراسة العروض إيقاعا وقافية بما تنطوي عليه من صعوبة شديدة، وفشل المناهج التعليمية اليمنية في تدريس الإيقاع الخليلي الذي تعد أنماط التعليم التقليدي –كحلقات المساجد- المصدر الوحيد لدراسته، وهو مصدر غير متاح للمرأة بحكم الأعراف والتقاليد الاجتماعية. ويشير مراد إلى ظاهرة جديدة في الأدب النسوي اليمني تتمثل في الأديبات «الفيسبوكيات»، وهي ظاهرة تؤرق بال المشتغلين بالهم الإبداعي، وتعزز حضورها من خلال الاحتماء بتشجيع العنصر الإبداعي النسائي وإمطاره بكلمات الثناء والإعجاب. ويؤكد أنّ الذين يتحدثون عن النص التفاعلي كحالة انفلاتية شعورية على الشاشة الزرقاء لا يمكنهم تبرير العجز الكامل لبعض الكاتبات في التراكيب والبناء اللغوي، في ظل غياب تام عن المعرفة وعن الشروط الموضوعية والفنية للنص الإبداعي. الصعوبات الحقيقية في مسيرة الأدب قد تجاوزتها المرأة اليمنية باقتدار، وأهم هذه الصعوبات -وفق الباحثة إيناس قائد- الاعتراف بحق المرأة في ولوج هذا العالم، ويظهر هذا الاعتراف من خلال الفعاليات الأدبية المختلفة التي تشارك فيها المرأة بشكل فاعل، ومن خلال تلك الإصدارات المتتالية لعدد من الأديبات التي تبنتها جهات رسمية ومدنية، مثل وزارة الثقافة واتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، الهيئة العامة للكتاب، مؤسسة العفيف الثقافية ونادي القصة اليمنية (المَقَة). أما الدكتورة نادية الكوكباني، فتعتقد أنَّ صعوبات كثيرة لا تزال تعترض مسيرة الأديبة اليمنية، منها انشغالها بعدد من الأعمال بما لا يمنحها الوقت الكافي للإبداع والكتابة، وعدم توفر فرص طباعة الأعمال الأدبية للمبدعين بشكل عام، والمبدعات بشكل أخص. (الوكالات)