خصّص المنتدى الثقافي لجريدة “المجاهد”، موعده أمس للفنان التشكيلي المغترب جمال طاطاح، الذي سيعرض لأول مرة بالجزائر؛ حيث سيلتقيه الجمهور بمتحف الماما ابتداء من 21 سبتمبر وإلى غاية 21 نوفمبر القادم. الفنان اعتبر معرضه حدثا مهمّا؛ لأنه سيمكّنه من رصد انطباعات الجمهور والنقاد بشكل مباشر، وربما مختلف عما تعوّد رصده في أوروبا وأمريكا. ينظَّم المعرض بمبادرة من الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي والمتحف العمومي الوطني للفن الحديث والمعاصر (الماما)، بالتعاون مع أكاديمية فرنسا بروما “فيلا ميدي سيس” وكذا المعهد الفرنسي بالجزائر. سيعطي هذا المعرض الأول للفنان فرصة لاكتشاف عمل الفنان المونوغرافي بأثر رجعي؛ أي بعرض لوحاته من أواخر الثمانينيات حتى اليوم. للإشارة، فقد رافق الفنانَ طاطاح إلى فوروم المجاهد السيد إيريك دوشاسي مدير أكاديمية فرنسا بروما ومحافظ المعرض، والذي يرى في عمل طاطاح تمثيلا مستمرا ودائما للإنسانية المجسَّدة في خصوصيات معنية، وكيف أنها تكرّس وجودها في العالم. يعمل هذا الفنان حسب إيريك على إبداع فضاءات استثنائية وتصويرية ولوحات فنية، تصبح بمثابة نموذج ونمط للمشاهد. الناقد الفرنسي تحدّث في هذا اللقاء أيضا عن بعض أعمال طاطاح، منها لوحة النساء الجزائريات التي تبرز مدى المقاومة السليمة لهذا الجنس اللطيف، وكيف أنها حققت بها الانتصار رغم ضيق الأفق. أكد إيريك في تدخّله أمس أن المعرض مهم جدا للفنان؛ لأنه يقام في وطنه الأم، لكنه مهم أيضا كونه يمثل جيلا من الفنانين الذين يتواصلون عبر ضفّتي المتوسط، وما يمثله ذلك من طرح لرؤى فنية جديدة، وللتعاون والتكامل من أجل مستقبل أفضل وجديد. وأضاف السيد إيريك قائلا إن “المعرض يعكس أحاسيس الفنان الجياشة، وبعض الأحداث اليومية والتاريخية مع مراعاة التفاصيل، كما تُظهر اللوحات مدى غنى ثقافة هذا الفنان وإبرازه لهويته وخصوصيته، مع التأكيد على البعد الإنساني لهذه الهوية؛ فهو، مثلا، يجمع في لوحة مسجدا بتلمسان ومعلما فرنسيا وشارعا في باريس مع لمحة من فلسطين ونيويورك، ليُظهر الاندماج بشكل عام مع الاحتفاظ بالخصوصية في التفاصيل. طاطاح لا يحب التأطير أو الانحصار في قالب معيَّن؛ لأنه يرى أن الإبداع حرية في المقام الأول. السيدة آمال بودبوز رئيسة دائرة الفنون البصرية بالوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، أكدت أن دعوة الفنان تأتي في إطار سلسلة دعوات ستطلقها الوكالة لكافة الفنانين الجزائريين المغتربين، الذين لهم الحق أيضا في أن يقدّموا إبداعاتهم على أرض الوطن. أما الفنان جمال طاطاح الذي بدا حيويا وفي أوج سعادته، فأكد أن المعرض جاء إثر لقاء جمعه بالسيد محمد جحيش مدير متحف الماما، والذي رحّب به واقترح عليه منذ مدة، العرض بالجزائر. كما عبّر الفنان عن سعادته جراء المشاريع الثقافية الكبرى التي تعرفها بلادنا، والتي من شأنها المساهمة في تطوير الجزائر ودفعها بسرعة إلى غد أفضل. يقول جمال: “أنا ابن ديار الغربة، لكنني لم أنقطع يوما عن الجزائر، كل صيف أحل بها ضمن زيارات عائلية، وأحيانا سياحية عبر مدن مختلفة”. يؤكد الفنان أنه حريص على تثمين القيم الاجتماعية، ليس فقط تلك الخاصة بالجزائر، بل بكل المجتمعات، خاصة التي يعرفها جيدا كالمجتمع الفرنسي، كما أنه حريص على السفر لاكتشاف مجتمعات أخرى لا تقل قيما. من جهة أخرى، عبّر الفنان عن إعجابه الشديد بمتحف الماما، الذي تمنى أن يسكن بداخله، ليتمتع بجماله ورونقه، علما أنه قضى أسابيع يتابع نصب لوحاته. وُلد طاطاح سنة 1959 قرب سانت إتيان من أبوين جزائريين. قدّم أول معرض شخصي له سنة 1999 بباريس؛ حيث انطلقت شهرته عبر أوروبا وأمريكا، ليفرض أسلوبه الحي والصامت الممزوج بعدة تقنيات، كالألوان الشمعية والصور الفوتوغرافية، ورقمنة الصورة لإعطائها بعدا واقعيا. يرى هذا الفنان أن للهوية بعدا وجدانيا يتجاوز حدود السياسة؛ لذلك فهي عنده انتماء وإحساس في المقام الأول. للإشارة، فقد حضر اللقاء السيد محمد جحيش مدير الماما، الذي رحّب بالفنان في بلده، كما استغل المناسبة ليؤكد على أن الماما يبقى فضاء لجلب الجمهور قبل أية حسابات مادية تهدف إلى الربح وزيادة المداخيل، كما أشار إلى التعاون بين الماما وبعض المؤسسات الثقافية التي تقيم معارضها بالماما؛ وهذا كله من أجل ترقية ثقافة المواطن وتنويعها وإثرائها دونها تلقين فظّ.