يعرض الفنان بشير العايب لوحاته ال 24 برواق “عائشة حداد” إلى غاية 6 أكتوبر الجاري. المعرض يحمل نكهة سوسيو سياسية تنقل بعض المتناقضات بطريقة ساخرة وغير مباشرة. يعرض هذا الفنان ذو ال 54 عاما أعماله، بعد 30 سنة غياب عن ساحة المعارض، حيث انشغل في هذه الفترة بحياته الخاصة والمهنية، لكنه بقي مواضبا على الرسم ويحضر من حين إلى آخر بأعماله في معارض جماعية من تنظيم معهد الفنون الجميلة داخل وخارج الجزائر. رغم خبرته وتمكينه من عالم الريشة والألوان، إلا أنه لا يزال في مرحلة التجربة قصد الوصول إلى أسلوبه الفني الخاص والمناسب، فهو يجرب كل الأساليب؛ مثل الرسم بالجير، النحت والتقشير، تندرج كلها ضمن ما يسمى ب"الرسوم الأكريدية” التي تعتمد أكثر على الألوان المائية. وما يميز هذا المعرض، الرمزية في تناول المواضيع والحضور المكثف للشخوص من رجال، نساء وأطفال غالبا ما يكونون مربوطين (جماعيا أو فرديا) داخل أكياس، وهي تعبير عن عجز الإنسان والقيود الاجتماعية التي تكبله باستمرار دون أن يفلت منها، إضافة للإنسان، يحضر الحيوان ممثلا في الجمل والحصان، الجمل والقرد (الشامبانزي) لتبدو اللوحات كأنها مشاهد من حكايات “كليلة ودمنة”، فما الحيوانات إلا صورة لأصناف مختلفة من بني البشر، إذ أن الحصان يعبر عن الإنسان الأصيل، والجمل رمز للشعوب العربية؛ لأنه غالبا ما يشير إلى المنطقة العربية، أما القرد فهو الإنسان الانتهازي الوصولي أو أنه سلطة حاكمة تقهر الحصان والجمل معا، لذلك نرى في بعض لوحات المعرض، الجمل يركب الحصان أو الجمل ويدلي برجليه وهو في قمة سعادته وعنفوانه. رصد الفنان ظواهر اجتماعية عدة من قلب المجتمع الجزائري، كاللوحة “اليويو” وهي لعبة يتقنها القرد، تدل على أن الحياة ما هي إلا لعبة عند البعض، يتخذون منها وسيلة لربط مصالح الناس. لوحة “الحصان الذي يركض وراء فراشة” دليل آخر على السذاجة وتصديق الحلول المؤقتة التي لا يتجاوز عمرها عمر الفراشة. "شجرة الزيتون ذات الندوب” رمز للجزائر التي عانت عبر تاريخها من ويلات الحروب والأزمات التي بقيت آثارها محفورة في الذاكرة والجسد. "الكرامة” لوحة متعددة الألوان والأشكال تبدو فيها الصروح عالية، متناطحة تخفي بؤس الناس وأنينهم. لوحة “الجمل في مدينة الملاهي” تبرز الجمل جالسا على لعبة صغيرة (سيارة) تدور به في مدينة الملاهي وهو مستسلم لا يقدر على مغادرتها. لوحة أخرى تظهر الناس مجتمعين في كيس واحد، يتطلعون إلى الهلاك (كناية عن انفراج الأزمة)، لوحة أخرى تظهر جملين ظهرا لظهر، وهي وصف للخصومة بين العرب. لوحات أخرى خاصة بالراهن العربي، منها تلك التي تظهر العواصف تهز حتى النجوم والقمر في السماء لشدتها. لم يخل المعرض من المرأة، حيث ركز الفنان أكثر على معاناتها، خاصة “المرأة الأرملة”، كما احتوى المعرض على لوحات تجسد بعض المعاني القرآنية، منها آية خلق الإنسان من العظم إلى النشوء، وهي تجسيد للآية 13 و14 من سورة المؤمنين التي رافقت اللوحة. استعمل الفنان الألوان الداكنة، الأبيض والأسود، علما أن الرمادي والأزرق الداكن يتكرر كثيرا في لوحاته، في حين أن الألوان الزاهية تكاد تكون غائبة نتيجة المواضيع المطروحة في اللوحات. للتذكير، فإن الفنان لعايب بشير متخرج من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة، واصل دراسته في الاتحاد السوفياتي، سابقا، ويعرض أعماله منذ 1978 بالجزائر، فرنسا، ليبيا والإتحاد السوفياتي، من أعماله؛ إنجازه لشعار المهرجان الإفريقي الثاني بالجزائر سنة 2009.