وقع المجمع العمومي لصناعة الحديد والصلب "سيدار" وشركة ارسيلور ميتال الرائدة في هذه الصناعة عالميا، أمس، ميثاق شراكة يقضي بامتلاك "سيدار" ل51 بالمائة من رأسمال مركب الحجار بعنابة، والباقي أي 49 بالمائة، سيكون من نصيب ارسيلور ميتال بعد سنوات من استحواذ الأخيرة على 70 بالمائة من أسهم المركب الأكبر من نوعه في إفريقيا. ويعد الميثاق ثمرة مفاوضات باشرتها الحكومة منذ أشهر مع الشريك الهندي لإعادة مركب الحجار إلى حظيرة الصناعة الوطنية ضمن قاعدة 51/49 التي تطبق على الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالجزائر، وفي إطار الاستراتيجية الصناعية الجديدة التي تهدف إلى تطوير الصناعة الجزائرية. ويأتي تطبيقا لاتفاق الشراكة الموقع بين الطرفين والذي تمت المصادقة عليه من طرف مجلس مساهمات الدولة يوم 25 سبتمبر الماضي. وحضر مراسم التوقيع كل من وزير التنمية الصناعية وترقية الاستثمار، السيد عمارة بن يونس، والرئيس المدير العام لشركة ارسيلور ميتال، السيد لاكشمي ميتال، وإطارات في القطاع، فضلا عن الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين السيد سيدي سعيد. هذا التحويل في أسهم رأسمال المركب الذي تم بالدينار الرمزي، سيكون مرفوقا بمخطط استثماري لعصرنة تجهيزات وآلات مصنع الحديد والصلب وأفرانه وتكوين عماله بقيمة 1 مليار دولار منها 600 مليون دولار على شكل قرض من بنك جزائري. وأكد وزير التنمية الصناعية وترقية الاستثمار أن هذا المخطط "الطموح" سيمكن من ضمان الاحتياجات الوطنية من الحديد والصلب، مشيرا إلى أنه سيسمح برفع قدرات الإنتاج إلى 2.2 مليون طن سنويا في آفاق 2017، مع العلم أن الإنتاج الوطني لايغطي حاليا إلا 10 بالمائة من احتياجات السوق الجزائرية التي تصل إلى 5 ملايين طن سنويا، حسب الوزير الذي توقع أن يؤدي تنفيذ مخطط العصرنة إلى تغطية 75 بالمائة من الطلب في آفاق 2020. وحسب الوزير، فإن هذا المخطط سيضمن للمركب نجاعة أكبر عن طريق تطوير المنتجات للاستجابة لاحتياجات السوق، والتحكم في إنتاج الحديد عالي الجودة لاسيما المخصص لقطاعي الموارد المائية والطاقة والمناجم، فضلا عن إعادة تطوير والحفاظ على منتجات الحديد المصوب من أجل ترقية النشاطات المنجمية في الونزة وبوخضرة. وبفضل هذا المخطط، سيتم ترميم الفرن العالي ومنشآت تحضير المواد الأولية للحديد والمصفحات الموجودة بسعة 10 ملايين طن، وبالتالي سيتم تزويد النشاطات المنجمية بالوسائل الضرورية من أجل استغلال عقلاني والحفاظ عليها لمدة أطول. وفضلا عن عصرنة الآلات والمعدات ووسائل الإنتاج، فإن المخطط أولى أهمية للعنصر البشري من خلال وضع قسم خاص بالتكوين لتأهيل وتحسين القدرات التقنية والادارية للموارد البشرية عن طريق برنامج تكويني مستمر. كما أن ميثاق السلم الاجتماعي الذي تم التوقيع عليه في 10 سبتمبر الماضي مع الشركاء الاجتماعيين، تم ضمه إلى برنامج التطوير بهدف ضمان تطوير الشركة. واعتبر بن يونس أن ثلاثة اختلالات تم تسجيلها كانت وراء وضع مخطط العصرنة وهي قدم وسائل الإنتاج بمركب الحجار ومشكل التسيير وكذا المشاكل الاجتماعية. وفيما يتكفل المخطط بعصرنة وسائل الإنتاج، فإن مسألة التسيير تم حلها في هذا الاتفاق من خلال تعيين مسؤول جزائري على رأس مجلس إدارة الشركة وتعيين إطار من ارسيلور ميتال كمدير عام. أما بالنسبة لمشكل العمال الذين يبلغ عددهم 6500، فإن الوزير وجه لهم وللنقابيين خصوصا رسالة ل«تحقيق الاستقرار الاجتماعي لبضع سنوات من أجل السماح باقلاع المركب من جديد". ووصف المدير العام لارسيلور ميتال، لاكشمي ميتال، الاتفاق ب«التاريخي"، مؤكد أنه سيبذل كل جهوده من أجل إنجاحه. وعبر عن اقتناعه بأن مخطط العصرنة الذي سيمس المركب "سيكون لفائدة الطرفين" وأنه سيمكن من الاستجابة بطريقة أفضل لحاجيات الجزائر من الحديد والصلب وتحقيقها الاكتفاء الذاتي. كما قال بأن الاتفاق "يؤكد العلاقات الجيدة بين الجزائر وشركة أرسيلور ميتال". للتذكير، يعتبر مركب الحجار المصنع الوحيد الذي ينتج الفولاذ في الجزائر، وتم تأميمه سنة 1969، ليصبح مفخرة الصناعة الجزائرية، ومنذ 2001 أصبح الرائد العالمي للحديد والصلب ارسيلور ميتال يمتلك أغلبية رأسمال المركب بعد اقتنائه ل70 بالمائة من أسهمه. لكن فترة تسييره للمركب عرفت عدة مشاكل خاصة مع العمال. وازدادت حدة التوترات مع الأزمة المالية العالمية التي بدأت أولى ملامحها سنة 2008، إذ لجأ صاحب ارسلور ميتال إلى غلق بعض مصانعه وتسريح العاملين بها، وهو ما كانت له انعكاسات على فرع الشركة بالجزائر، حيث تم الحديث عن إمكانية غلق المركب لأسباب مالية. وجاء تدخل الحكومة في هذا الملف في إطار سعيها للحفاظ على هذا الصرح الصناعي ووضع حد للتوترات الاجتماعية المستمرة والتي رهنت هذا الفرع الصناعي الهام ببلادنا.