من "طرابلس عاصمة النهر والبحر" قدمت قافلة الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى، لتصبّ على أرض "الجزائر عاصمة الضوء والمطر" خيرات ثقافتها الحافلة بالقبسات التراثية والرصيد الفكري الثري، فكان أن غطست ليبيا في بحر "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" بعدد من المعارض التي شكّلت نافذة يطلّ من خلال الجزائريون على مدى التنوّع والثراء الثقافي الليبي بأبعاده الفنية والأدبية· الأسبوع الثقافي الليبي الذي انطلق سهرة الجمعة بقصر الثقافة "مفدي زكريا" منح أجواء الجزائر الممطرة دفئا من نوع خاص خصوصية الثقافة الليبية التي ستلقي بظلالها على عاصمة الثقافة العربية إلى غاية الثاني والعشرين من نوفمبر الجاري عبر عدد من الفعاليات التي ستعكس عمق ومتانة الوشائج والعلاقات الأخوية القائمة بين بلد المجاهد الأمير عبد القادر وبلد شيخ المجاهدين وأسد الصحراء عمر المختار· الفعاليات هذه وعلى خلاف الأسابيع الثقافية العربية التي احتضنتها الجزائر منذ يناير الماضي، عرفت حضورا نوعيا وتاريخيا، حيث اجتمع كمّ كبير من المجاهدين والمناضلين الجزائريين تحت قبّة "مفدي زكريا"، على غرار الطاهر زبيري، السعيد عبادو وعدد من الوجوه الثورية واختطفت المجاهدة الرمز جميلة بوحيرد الأضواء سواء لدى الجزائريين وحتى الإخوة الليبيين، وهو ما جعل الوزيرين الجزائري والليبي يتّفقان على أن تدشّن بوحيرد الأسبوع الثقافي الليبي· الجماهيرية الليبية فضّلت أن يكون الكتاب والفنون الشعبية أبرز ما تقدّمه للجزائريين الذين يعيشون الأشهر الأخيرة من تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، فحملت معها معرضا للمنشورات الليبية ضمّ مصنّفات وكتبا في مختلف روافد الفكر والثقافة، يتقدّمها "الكتاب الأخضر" و"إسراطين، الكتاب الأبيض" اللذان يعرضهما قائد الثورة الليبية معمّر القذافي، إلى جانب "الديمقراطية بين النظرية العالمية الثالثة والمفاهيم المعاصرة"، "الإنسان والثورة"، "الإمبراطورية في مواجهة التنوّع"، "التصدّع الغربي، غرب - غرب" وغيرها من المصنّفات المنتقاة بعناية من المكتبة الليبية· وازدان بهو قصر الثقافة بلوحات تشكيلية رائعة تنمّ عن الروح الجميلة التي يحملها الفنان الليبي وكذا عن لمسات التجديد والتميّز، حيث عرضت عدد من الأعمال متباينة المواضيع التي اشتملت المرأة، الوطن، المشاعر المتجدّدة، وكذا متعدّدة المدارس من الواقعية إلى السريالية، فكان أن عرض علي قانة، علي الزويك، محمّد البارودي، فوزي الصويعي، يوسف فطيس، هدى بن موسى، إلى جانب عفاف الصومالي، علي العباني، أحمد الحاراتي، عبد الكريم الترهوني، رمضان ناصر وكذا عبد الرزاق الرياني وصلاح غيث أجمل ما أبدعته أناملهم بالألوان الزاهية· وعلى إيقاعات الفرق الفلكلورية الليبية على غرار "فرقة أبناء الشهداء للفنون لمدينة طرابلس" تحت الخيمة الليبية، مداخلها تتباهى بزرابيها وبخورها وصينية الشاي المعبّق برائحة النعناع، وكانت بداية رحلة جميلة بين المقتنيات الحرفية القادمة من "الجارة القريبة جدّا من القلوب"، حيث تمّ عرض الألبسة التقليدية الليبية النسائية والرجالية على غرار "الزبون" الذي يميّز الرجل الليبي في مختلف المناسبات، وذلك إلى جانب مختلف الصناعات الحرفية وبالأخص بالقش، وشتى الآلات الموسيقية كالبندير، القلال والدربوكة علاوة على المصنوعات الخشبية، النحاسية والجلدية والتحف الخزفية· وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي وهي ترحّب بالأشقاء الليبيين، أكّدت على رمزية هذا العناق الذي يحمل الكثير من المعاني والدلالات وقالت: "الذي يجمع الجزائر بليبيا ليس عاديا ولا طبيعيا، فمنذ 2500 سنة قبل الميلاد رسم الإنسان الليبي والجزائري نقوشا على الصخور الممتدة من صحراء ليبيا إلى صحراء الجزائر، رسم تفاصيل حياته، فمن التاسيلي بالجزائر إلى جبال فزّان ونفوسة بليبيا تتشابه الخطوط والألوان والملامح، ممّا يعبّر عن وحدة هذين الشعبين عبر التاريخ والجغرافيا"· وأكّدت على صعيد متّصل أنّ هذا الأسبوع الثقافي "سيسمح للجمهور باكتشاف مدى التنوّع والثراء الثقافي الليبي وتطوّر الحركة الثقافية الليبية"، معبّرة عن يقينها في أن تشكل هذه التظاهرة "انطلاقة جديدة" في مجال تنسيق الجهود بين وزارتي الثقافة في البلدين من خلال تبادل الفعاليات الثقافية والفكرية· الأستاذ نوري ضو الحميدي أمين اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام، نوّه من جانبه بما حقّقته الجزائر هذا العام من محافل ثقافية وفكرية، جعلتها تزداد عظمة وعن جدارة تؤكّد أنّها عاصمة للثقافة العربية، وهو العام الذي تعرف فيه العاصمة الليبية تظاهرة "طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية"، وأضاف أنّ الأدب والفن "يشكّلان روح الشعوب ومستودع القيم وخزّان الأصالة، والمبدعون هم رموز الوجود والبقاء، كما أنّ الأدب والفن كانا سلاحا إضافيا لمحاربة الإستعمار الذي حاول طمس الهوية، فكانت مقاومة الآباء والأجداد طريقا للحرية والكرامة"، ليؤكّد في نفس السياق أنّ القيمة الكبرى لاختيار الجزائروطرابلس عاصمتين للثقافة يمثّل لحظة وعي بقيمة هاتين المدينتين ودورهما الخلاّق في التمسّك بالجذور· "من طرابلس، من حمى كلّ ثائر من شهي المنى ووهج المشاعر من عروس الشمال، الشرق والغرب إلى قمّة المفاخر والعلا ألف تحية للأشقاء في ربوع الجزائر" ··· بهذه الأبيات خاطب الشاعر الليبي الكبير عبد المولى البغدادي ضيوف "مفدي زكريا"، إذ أكّد عظمة ثورة نوفمبر الخالدة وشموخ الأحرار وصنّاع الملاحم، فتحدّث عن البطولات وعن رموز الجزائر الأزليين في الجهاد والفكر، وذهب الشاعر الليبي عبد الحميد عبد السلام بيطاو منحى زميله البغدادي حين قرأ هو الآخر قصيدة تغنّى فيها بالجزائر، فيما استحضر في الثانية العراق الجريح· مسك ختام افتتاح الأيام الثقافية الليبية في تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" كان مع "فرقة طرابلس للمالوف والموشّحات والسلاميات" التي أتحفت الحضور بوصلات غنائية رائعة روعة القصائد النبوية والابتهالات الدينية، وجميلة جمال الموشّحات العربية ومتميّزة تميّز المالوف الليبي الذي حمل الساهرين إلى عوالم من الفن الراقي، حيث الكلم الموزون واللحن الطربي، وزاده صوت أعضاء الفرقة الذين أبدعوا فأطربوا· *