سمية أولمان طبيبة وباحثة خريجة كلية الطب بالجزائر، اختصاصية في طب السرطان وأمراض الثدي، حاصلة على شهادة في علم الاجتماع والتحليل النفسي، تغازل الشعر والقصيد، نالت جائزة الشعر باللغة الفرنسية سنة 2009 حول فلسطين، وجائزة أخرى في الرواية القصيرة سنة 2012، كما قدمت كتابا بعنوان “دور الشيخ عبد القادر المجاوي” وكتابه “إرشاد المتعلمين في الصمود الفكري بالجزائر”، عضو في المرصد الجزائري للمرأة، أم لأربعة أبناء، إنها ضيفتنا هذا الأسبوع. “المساء”: سيدة متعددة الاختصاصات، من الطب إلى البحث في التاريخ، كيف كانت رحلة البحث في تاريخ العالم عبد القادر المجاوي رغم صعوبة العملية، دكتورة؟ سمية أولمان: بالفعل القصة تحمل الكثير من الدوافع، بداية من وثيقة عائلية وقعت بين يدي، خط عليها شموخ زوجة المرحوم في التعامل مع الموثق الفرنسي حينذاك، وكيف تصرفت بثقة ولم تقف له كونها “أنديجان” مسلمة، مما اضطره إلى الذهاب إليها بغرض مواصلة إجراءات المعاملة الخاصة بنقل العقار... فكرت في سر هذه المرأة الشجاعة في وقت الاستدمار، وعرفت أنها على درجة كبيرة من الوعي، كيف لا وهي زوجة “عبد القادر المجاوي” العالم الذي دعا إلى تعليم شامل للمرأة... من هنا بدأت أبحث في أسرار هذه الشخصية رغم شح المعلومات التاريخية حولها، حيث اعتمدت على بعض المقالات المنشورة، وبعد أن اطلعت على كتاب جدي عبد القادر، كوني بنت فتيحة بنت عبد الله بن مصطفى بن عبد القادر المجاوي الجليلي الحسني، فمن خلال “إرشاد المتعلمين”، بحثت رفقة شقيقتي حبيبة الكمال، في كل الأماكن، كما جلنا ولايات الوطن لمدة 3 سنوات وهي العاصمة، سطيف، قسنطينة، تلمسان، المدية، بوسعادة وباريس (فرنسا)، ليثمر الجهد ميلاد كتاب “دور الشيخ المجاوي عبد القادر” وكتابه “إرشاد المتعلمين في الصمود الفكري بالجزائر”، وقد كان الكتاب فرصة للتعريف بالأعمال التي قدمها هذا العالم الجليل لهذا الوطن العزيز، فقد طلب جدي التعلم الكامل والشامل للمرأة في النصف الثاني من القرن 19. هلا قدمت لنا تعريفا لهذا العالم؟ ولد المجاوي سنة 1848 عند سقوط تلمسان في أيادي المستعمر الفرنسي، بدأ عمله بعد انهزام ثورة المقراني التي جاءت بعد مجاعة 1866 حتى 1869، عمل في قسنطينة مدرسا وطالب بتغيير الوضعية لمواجهة دولة عظمى من خلال البناء المتمثل في تعلم اللغة... فهذا العالم الجليل استطاع أن يخدم الجزائريين بما يخرجون به فرنسا عن أرضهم، فقد كان ذكيا جدا واستطاع أن يمرر الكثير من الأفكار والرسائل الداعية إلى التعلم وفهم اللغة العربية من خلال كتابه “إرشاد المتعلمين” الذي جاء في 27 صفحة سنة 1877م بالقاهرة، أي في نفس السنة التي حصل فيها الشيخ محمد عبده على إجازته. يمكن اعتبار هذا الكتاب كتقييم لقرابة خمسين سنة من السياسة الفرنسية التجهيلية والتدميرية على الجزائريين، فهو صرخة فكرية ضد مخلفات الاستعمار، هدفها حث الجزائريين على الحفاظ على إسلامهم الأصيل والتفتح على العلوم الحديثة قصد النهوض من التخدير الذي وقع عليهم. خلف ظهور “إرشاد المتعلمين” ضجة في الأوساط القسنطينية، حيث رأى فيه البعض تنديدا خطيرا بحقيقة الاستعمار وبشاعته، فاغتنم مؤلفه فرصة رد فعل بعض أذناب الاستعمار، وقذف الحدث إلى الساحة العمومية باستعماله الصحافة والرأي العام رغم التحديدات. قال عبد الحميد بن باديس مرثيا المجاوي: “وأسفاه عليك أيها الإمام الذي ببزوغ شمسه تمزقت سحب الجهل، أنت الذي عانيت في سبيل إصلاحنا أتعابا طويلة”. ويرى المؤرخ الأمريكي ألان كريستلو هذه الحادثة كأول خطوة للحركة الإصلاحية الجزائرية، وأنا شخصيا أرى أن كتابه هذا كان وراء ميلاد الحركة الطلابية في الجزائر. من علم السرطان إلى علم الاجتماع، فالتاريخ، كيف تصفين هذا الانتقال؟ درست الطب العام، ثم تخصصت في السرطان، في هذا العلم الذي يهتم بدراسة الخلية والكرموزومات، فكرت في الانتقال إلى نمط تفكيري آخر، وفي علم الاجتماع وجدت الإجابة التي كنت أبحث عنها، كونه يهتم بالأفراد والمجتمعات وبه انتقلت من أضعف نقطة إلى أوسعها، أي أنني اكتشفت أن هناك احتواء لما يمكن تسميته بالتركيبة البشرية أو النواة، كذلك التفاعلات الاجتماعية التي تجعل الإنسان فريسة للأمراض، ولاحظنا خلال العشرية الحمراء أن القهر كان وراء الإصابة بالسرطان، وعرفت من خلاله علاقة الإنسان مع جسده، فعملت على البحث بين الجسد والمادة، وكل ما يعيشه الإنسان في يومياته، إلى جانب العامل الجغرافي، فهذا التوجه أكسبني نمطا تفكيريا جديدا. كيف هي علاقتك مع مرضاك؟ في واقع الأمر، كل حالة سرطان أعتبرها فريدة وهي خاصة، تعلمت الحياة مع المرضى، هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون على رصيف الحياة والموت، وأنت كطبيب تشعر بتلك القرابة في كل الثواني، لكن أصعب ما واجهته خلال فترة تربصي، وما لم أستطع تحمله حال المرضى الصغار، لأنني لمست معاناتهم وأهاليهم، فهم مرضى متعبون، لكنهم لا يعرفون ما ينتظرهم، علما أنني أصدرت كتابا في الطب لفهم أدق للتداوي الكيميائي ضد السرطان. حدثينا عن الدكتورة الشاعرة؟ أعشق الكتابة بمختلف أنواعها والشعر واحد منها، بحيث شاركت في مسابقة لمؤسسة فنون وثقافة باللغة الفرنسية، أطلقت على الإصدار اسم “فلسطين 1948...2009 يوميات تراجيديا”، جمعت في هذا الكتاب كل القصائد التي كتبتها حول فلسطين، ولدي قصائد أخرى حول مواضيع حزينة ومأساوية تحاكي آلام ومعاناة الإنسان، كلها مستوحاة من الواقع المعيش. ما هي مشاريع سمية المستقبلية؟ لدي عمل مشترك مع زوجي الجراح، يتمثل في نقل مفردات القرآن الكريم إلى الحروف اللاتينية، ففي الحقيقة وقتي مقسم بين عملي كطبيبة وباحثة في تاريخ المجاوي، والبحث في القرآن الكريم، وأسعى لتقديم إصدارات مختلفة في جوانب معرفية أخرى اقتحمها المجاوي في علم الفلك، المجاوي الصحفي، الحركة الجمعوية والنحو، فهو شخصية موسوعية كتبت في كل المجالات، وأود مواصلة البحث عن هذه الشخصية بالقاهرة.