وفاة الشيخ المجاوي لم تكن طبيعية لم يتطرَّق المتدخلون في اليوم الدراسي حول الشيخ عبدالقادر المجاوي، وهو أحد أساتذة الشيخ ابن باديس، لظروف رحيله عن مسقط رأسه تلمسان باتجاه قسنطينة؟ حسب المعلومات المتواترة والمتوفّرة لدى العائلة، فإن رحيله من تلمسان كان جبرياً كعقوبة من الإدارة الفرنسية بمجرد عودته من رحلة طلب العِلم بجامع القرويين بالمغرب، وهو المولود سنة 1848م بتلمسان وكان أبوه قاضياً مارس القضاء لمدة خمسة وعشرين سنة بتلمسان وحتّى بالمغرب. وما سرّ تلك الميداليات والنياشين التي تظهر معلقة على صدره في صورة مشهورة؟ سؤال وجيه، فكلّ مَن يرى تلك الصورة يعتقد خطأً أنّه كان متعاوناً مع الاستعمار، وقد حدث لنا ذلك حتّى في صفوف العائلة. وبعد بحث وتدقيق علِمنا، بفضل الوثائق والمحاضر، أنّه تحصَّل على وسام الافتخار التونسي من طرف الإدارة التركية عبر باي تونس، والوسام الذهبي للمعارف ووسام الشرف الفرنسي كاعتراف له بقيمة أدائه لوظيفة التربية والتعليم، والوثيقة التي تثبت هذا الكلام موجودة وعرضناها بالمعرض في مدخل القاعة. وأصرّت الإدارة الفرنسية على وصفه بالمواطن الفرنسي فرفض ذلك، لتعوّض هويته بوصفه ''أنديجان'' مسلما فقبلها وقال إلاّ فرنسياً فلا... ما هي أهم المؤلّفات والمخطوطات التي خلّفها الشيخ عبدالقادر المجاوي؟ توجد على مستوى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف مخطوطات كتبها بخط يده مثل المختصر في المنطق والمختصر في النحو، ثمّ مخطوط فريد لمصحف صغير للقرآن الكريم كتبه أيضاً بخط يده وهو موجود لدى العائلة، وكتب طُبِعت بالجزائر ومصر وتونس، ولعلّ أهمّها كتاب ''إرشاد المتعلّمين'' الذي صدر في سنة 1877م بالقاهرة وتمّ إعادة طبعه بلبنان، وهو المؤلّف الذي عرضه للتّعنيف من قبل أذناب الاستعمار بقسنطينة بسبب توجيهه لذلك النِّداء باللغة العربية وحثّ فيه على تعلّم شتى العلوم وباللغة العربية. وله كتاب آخر لا يقل أهمية عنوانه ''المرصاد في مسائل الاقتصاد''، وهو أوّل كتاب في الاقتصاد الإسلامي، جمع بين النّظريات الحديثة ومبادئ الشّريعة الإسلامية. وما صحّة اغتياله مسموماً من طرف أعوان الاستعمار؟ إنّ الأشهر التي سبقت وفاته في سنة 1914م، عرف فيها حملة أشدّ عنفاً في شوارع قسنطينة وفي صحفها، بعد نشره كتاب ''اللُّمَع في نظم البدع'' والذي شرح فيه القصيدة المنصفة لتلميذه وصديقه المولود بن موهوب، وكانت حملة جديدة وصفته بالدجّال والمجنون، وتوفي مباشرة في تلك الظروف، ما يرجّح أنّ وفاته لم تكن طبيعية. معروف أنّ رائد النّهضة الجزائرية الشيخ عبدالحميد بن باديس كان من تلاميذه، فهل من وثائق ووقائع تثبت هذه العلاقة؟ أظنّ أنّ تأبينية العلامة ابن باديس لشيخه عبد القادر المجاوي خير دليل حين قال:'' أنت الّذي عانيتَ أتعاباً كبيرة لإصلاحنا، أنتَ الّذي تعامد حِلمك وعِلمك ليصعد بنا في معارج الكمال.. نُبِكيك ويُبكيك القرطاس والقلم.. وتُبكيك منابر العِلم والحكم''.. إلى آخر التّأبينية الّتي قرأها ابن باديس في جنازة الشيخ المجاوي.