يُعرف الطفل خلال الفترة العمرية الممتدة بين السنتين إلى العشر سنوات بكثرة الحركة وحب الإطلاع والرغبة في لمس كل ما يحيط به ووضعه في فمه، خاصة الأشياء ذات الألوان الجذابة وهنا يكمن الخطر الحقيقي، ويتولد ما يسمى بالحادث المنزلي، فقد يبتلع الطفل حبات الدواء أو يشرب بعض سوائل التنظيف الموضوعة بصورة عشوائية فتقع الكارثة. قد يظن البعض من الأولياء أن المنزل هو المكان الأمثل لحماية الأطفال من الحوادث التي قد تصيبهم خارجا، إلا أن الواقع يثبت عكس هذا الاعتقاد، فقد يحمل المنزل في معظم الأحيان مخاطر جمة، تنعكس سلبا على صحة وسلامة الطفل وتنجم عادة عن الاهمال في أخذ التدابير والاحتياطات اللازمة اتجاه بعض المواد الخطرة، كالمبيدات والمواد السامة والأدوية. ويستقبل قسم جراحة الأطفال بمستشفى بني مسوس بالعاصمة يوميا عشرات الأطفال ما بين "0-15 سنة" ممن يتعرضون لحوادث منزلية تكون ناجمة في أغلب الأحيان عن عدم مراقبة الأطفال، وفي هذا السياق يقول »محمد ممرض« بالقسم ذاته أن الحوادث المنزلية تسجل على طول السنة سواء تعلق الأمر بتلك التي تحدث داخل المنزل أو الناتجة عن شجار الأطفال مع أقرانهم أثناء اللعب. وتكثر هذه الحوادث خاصة في فصلي الصيف والشتاء ففي فصل الشتاء نشهد حوادث تخص بتر أو كسر بعض أصابع الأطفال نتيجة انغلاق الباب عليهم بشدة من جراء الرياح القوية، ناهيك عن حالات الانزلاق الناجمة عن الأمطار والتي قد يترتب عنها كسور تصيب اليدين أو الرجلين وحتى الدماغ، اذ ينتج عن أثر الصدمة ارتجاج بالمخ يتولد عنه شلل إن كانت الصدمة قوية. أما في فصل الصيف فتسجل حالات الإصابة بحوادث ناجمة عن دفع الأطفال لبعضهم البعض وهم يلعبون، والذي ينتج عنه سقوطهم من على سلم العمارة أو من على الشرفة، كما يستقبل القسم أيضا أطفالا من حديثي الولادة نتيجة وضعهم على أسرة لا تتوفر على حواجز وبمجرد أن ينقلب الطفل يسقط على الأرض الأمر الذي يتسبب في حدوث خلل في بعض أعضائه وقد يصل إلى حد تعرضه لنزيف داخلي في رأسه تجعله عرضة لداء الصرع الذي حتى وإن تم الشفاء منه تظهر عليه مضاعفات تنعكس سلبا على مستقبله كقلة التركيز وضعف الذاكرة. ومن جملة الحوادث المنزلية أيضا يعدد المتحدث تلك المتعلقة بإنسكاب الماء والحليب أو الزيت الساخن على الطفل وغالبا ما يكون المطبخ مسرحا لهذه الحوادث ما قد ينجم عنه خضوعه للاستشفاء مطولا في مصلحة باستور للمحروقين، إضافة إلى صُوّر بلع الأطفال لكميات كبيرة من الأدوية الخطيرة التي تودي بحياة الطفل مباشرة إن لم نقل أنه قد يدخل في غيبوبة مطولة. إضافة لكل ما سبق تدخل المبيدات ضمن قائمة الحوادث المنزلية والتي توضع بطريقة عشوائية كسم الفئران، إذ أن تناول مثل هذه المواد السامة يؤدي للوفاة مباشرة كونها موجهة للتخلص من الحشرات، »أي أنها مادة قاتلة، يقول الممرض«. من جهته يقول تاعباست دكتور مختص في انعاش الأطفال بالمستشفى نفسه أنه بمجرد احضار الطفل إلى المصلحة نسأل والديه عن نوع المادة المستهلكة وكميتها حتى يسهل علينا القيام بالاجراءات الأولية وتحديد طريقة العلاج المناسبة لإسعاف الطفل، وعموما فإن طريقة العلاج تختلف بإختلاف المادة والكمية المستهكلة إلى جانب المدة الزمنية، ويميز في هذا الخصوص بين عدة حالات من الحوادث المنزلية فيقول بالنسبة للمواد المنظفة »ماء جافيل، النظاف، روح الملح، والأسيد... وغيرها من السوائل تحتوي على مواد كيماوية نفصلها إلى جزئين: منها ما يحتوي على المادة الحمضية والتي تتسبب في إحداث جروح وحروق ابتداء من الفم مرورا بالبلعوم وصولا للمعدة وقد ينتج عنها احداث ثقب في البلعوم وحتى المعدة وعموما النتيجة تظهر خلال ثلاث ساعات عن شرب السائل، أما العلاج فيكون من خلال منع الطفل من الأكل مدة عشرة أيام ويخضع للمراقبة عن طريق (جهاز فيبروسكوبي) وذلك لمتابعة نوع الجروح ومدى عمقها ويغذّى الطفل خلال هذه الفترة (بالسائل الغولوكوزي) ولكن هناك حالات لا يتحسن فيها الطفل إذ يزداد عمق الحروق ويتسع ثقب المعدة وتظهر لديه مشاكل تنفسية فيصارع الطفل إصابته لعدة أيام وينتهي به الأمر بالوفاة للأسف الشديد، يقول المختص. أما السوائل التي تحتوي على المادة »القاعدية« فتعد من أخطر الحالات ذلك لأن أثر المادة المستهكلة لايظهر خلال الثلاث ساعات الموالية بل تكون نتائجها على المدى الطويل فقد لا يتم الإنتباه للطفل فيتوفى مباشرة. وبالنسبة لتناول الطفل للأدوية فيوضح محدنثا بقوله بأن الدواء عادة يوجه للعلاج، ولكن اذا وجه لغير موضعه يعتبر مادة سامة خاصة إذا كان متناوله هو الطفل وفي هذه الحالة نحدد أولا نوع الدواء والكمية المستهلكة حتى نتمكن من تحديد طريقة العلاج، فإن كان الدواء المستهلك عبارة عن أقراص لمنع الحمل أو الفيتامينات أو بعض المضادات الحيوية، في هذه الحالة يتم الاحتفاظ بالطفل مدة 48 ساعة تحت المراقبة لأن الأدوية تأخذ مدة زمنية حتى تتحلل في حين هناك أدوية تؤثر سلبا على صحة الطفل فقد تزيد من نبضات قلبه »كدواء ضيق التنفس« والعلاج في هذه الحالة هو غسل معدة الطفل أو من خلال اعطائه دواء يساعد على احداث حالة اسهال تمكن الطفل من التخلص من هذا الدواء، في حين هناك حالات تستخرج المادة المستهلكة من خلال احداث حالة التقيؤ للطفل، في حين يتم اللجوء إلى جانب الطرق السالفة الذكر يعطى للطفل دواء »أدسوربانت« إذ يعتبر العلاج الفعال والفوري الذي يخلص الجسم نهائيا من هذه الأدوية التي يتناولها الطفل بطريق الخطأ، وهي طريقة ناجحة بنسبة 90. وفي المقابل يؤكد الدكتور أن الأطباء غالبا ما يقفون عاجزين أمام تناول الطفل لمواد سامة موجهة للتخلص من بعض الحشرات مثل المبيدات، إذ يكون مصير الطفل هنا الوفاة. ويقول بداية يقدم للطفل دواء مضاد للسم ليتناوله ويترك تحت المراقبة، علما أن نسبة قليلة فقط من الأطفال يستجيبون للعلاج هنا. ولا يعتبر الدكتور الطفل مسؤولا عن الأخطار التي تواجهه في المنزل بل يعتبره ضحية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وأن المسؤول الرئيسي أو المجرم الحقيقي - على حد تعبيره- هي الأم التي يكون إهمالها لأطفالها سببا مباشرا وراء وقوع أغلب الحوادث لتبقى »الوقاية خير من ألف علاج« وهي النصيحة الذهبية التي نقدمها لكل" أم" يقول الطبيب.