في هذا الحوار، يتحدث العداء مصطفى خياري الذي استطاع قهر إصابته بالسكري، عن شجاعته التي جعلته يقاوم مرضه المزمن وإرادته الفولاذية في تخطي تحدي ألعاب القوى التي تصنف كواحدة من أصعب الرياضات. كما يتحدث عن طموحه الشخصي الذي مكنه من التغلب على مرضه لإبراز نفسه بين الناس، وأنه لم يستسلم للسكري، بل صمم على التغلب عليه بممارسته لألعاب القوى التي جعلت منه بطلا، وبعد سنوات من الممارسة الرياضية يصبح حكما في ألعاب القوى بالرابطة الجزائرية لهذه الرياضة. كيف تمكنت من الموازنة بين إصابتك بالسكري وممارستك لألعاب القوى؟ بداية إصابتي بمرض السكري تعود إلى عام 1988، لما كنت في ال 32 سنة من عمري حيث بدأت مشواري مع رياضة العدو الريفي بسنة قبلها، وبعد خضوعي لفحص روتيني، طُلب مني إجراء فحوصات معينة، بعدها توجهت نحو عيادة الطبيب المختص في داء السكري أخبرني عن إصابتي به، ولعل أول سؤال تبادر إلى ذهني؛ هل سأُمنع من مواصلة مشواري الرياضي؟ لكن سررت عندما كان جواب الطبيب إيجابيا، حيث زادتني الإجابة إصرارا شخصيا على قهر هذا المرض ومقاومته.
ألم تشكل لك رياضة العدو الريفي صعوبة، نظرا للمجهود البدني الكبير الذي تتطلبه؟ أبدا، في بداية مشواري الرياضي لم أكن أرغب إطلاقا في وضع حد له، ولما أكد لي الطبيب أن الرياضة تشكل عاملا أساسيا في التعايش الإيجابي مع المرض، أقبلت على التدريبات التي حتى وإن كانت جد صعبة نظرا للجهد البدني الذي تتطلبه، إلى جانب التحضير النفسي الذي يحتاجه مريض السكري من أجل كبت مخاوف انخفاض مستوى السكر أثناء ممارستها، فرفعت التحدي وواصلت مشواري الرياضي الذي يمتد اليوم على طول 26 سنة.
حدثنا عن مشاركاتك الرياضية الدولية أو الوطنية. أول مشاركة رياضية لي كانت في سباق نصف الماراطون (21 كلم) من عين البنيان إلى ملعب 20 أوت، كنت العداء الوحيد المصاب بالسكري من ضمن المشاركين. ونجحت في إثبات ذاتي في هذه المشاركة، والفضل يعود للعداء الدولي الجزائري عز الدين صخري، المساعد الرئيسي الذي يشرف على البرنامج التدريبي اليومي الخاص بي. وأنا في هذا المقام، أوجه له التحية والشكر نظرا لوقوفه إلى جانبي. بعد هذا الموعد، لم يعد لدي أي شك في أن الرياضة تفيدني أولا كإنسان، ثم كمريض بالسكري، وهي الحقيقة التي أؤكد عليها في كل المناسبات، بما فيها مشاركاتي الدولية.
وماذا عن هذه المشاركات بالذات، وكيف كان تعامل العدائين وغيرهم مع حالتك؟ لقد سمحت لي سلسلة التدريبات المتواصلة بالمشاركة في أول ماراطون دولي بجانت سنة 2001، تلتها عدة مشاركات؛ مثلا في سنة 2002 شاركت في ماراطون وادي سوف الدولي وحصلت على المرتبة الخامسة في فئة الكهول، ثم تمكنت من خلال الماراطون الدولي بتيميمون أن أفتك المركز الأول بزمن 2 سا و56 د. كما حققت النجاح بإحرازي لميدالية برونزية في الألعاب العالمية للأطباء والصحة بألمانيا بتوقيت جيد في سباق 10 آلاف متر ونصف الماراطون، ووفقت أيضا في ماراطون باريس لسنة 2005 بتوقيت 3 سا و26 د. أشير إلى أنني أدهشت الكثير من متابعي ماراطون تونس الدولي في أكتوبر 2007، حيث تحصلت على المرتبة 22، وهي النتيجة التي أبهرت المنظمين، ومنه أتيحت لي فرصة أخذ الميكروفون قصد الحديث وإبلاغ الجميع برسالة مفادها أن داء السكري ليس إعاقة، إنما مرض لا بد أن نتعلم كيف نتعايش معه.
وهل انقطعت عن تدريباتك أم أنك تواصل تحدي السكري؟ أريد من خلال كل مشاركاتي الرياضية الوطنية أو الدولية، التأسيس لثقافة قهر المرض الذي يكمن في الإرادة وقبول التحدي، كما أنها ممارسة بالنسبة لجميع الأصحاء والمرضى، وللمرة الألف سأظل أكرر بأن السكري لا يعني الإعاقة ولا نهاية العالم، يحتاج الأمر فقط إلى متابعة طبية ومساعدات مالية ومادية قصد الحصول على وسائل التدريب لمرضى السكري الممارسين للرياضة.
ألم يكن لتدريباتك ومشاركاتك أي تعقيدات سلبية على صحتك؟ بالعكس، بدلا من الشعور بالتعب، أجد نفسي مرتاحا، ورياضة العدو بالنسبة لي عادة لا يمكنني التخلي عنها، فكما يقال: العقل السليم في الجسم السليم.
لكن السكري مرض يتطلب مراقبة صحية متواصلة.. صحيح، تحصلت على شهادة طبية أهلتني لإجراء سباقات طويلة ومتوسطة المسافة، فقبل وبعد كل حصة تدريبية أقوم بقياس نسبة السكر في الدم. وفي حالة حدوث مكروه لي، أحتفظ دائما في جيبي بقطعة حلوى أتناولها في حالة طارئة حتى تسمح لي بالحفاظ على توازن السكر في الدم.
هل من كلمة أخيرة موجهة لمرضى السكري، خاصة أن اليوم العالمي تم إحياؤه مؤخرا فقط؟ أولا، أطلب من السلطات المعنية الالتفات إلى مرضى السكري وتوعيتهم بأهمية الممارسة الرياضية، فالمثل يقول: في الحركة بركة. كما أطلب من المسؤولين عن القطاع اعتبار هذه الشريحة وتوفير الإمكانيات اللازمة المسهلة لولوجها عالم الرياضة بجدية وتجاوز المرض، فأنا مثلا، حرمت من المشاركة في العديد من المواعيد الرسمية بسبب الإعانات شبه المنعدمة، ومن ذلك الماراطون الدولي لتاغيت قريبا، بسبب نقص الإمكانيات، لذلك أجدد الدعوة للسلطات المعنية قصد العناية بالطاقات الرياضية ومرضى السكري من أجل تحدي مرضهم وقهره بالإرادة.