اهتدى الشاب خالد سلام بعد أن سئم البطالة، إلى تعلم حرفة أوحاها له البحر بحكم انتمائه إلى ولاية بومرداس الساحلية، حيث في كل مرة يشعر فيها بالغضب أو الحزن كان يلجأ إلى إحدى شواطئ الولاية للتنفيس عما يختلج بداخله، وحدث أن وقع بصره على الأصداف، فاهتدى سريعا إلى التفكير في تحويلها إلى لوحات فنية تنتشله من شبح البطالة، ليكسب من ورائها رزقا. كانت التحف الفنية التي عرضها الحرفي خالد بمعرض الصناعات التقليدية الذي أقيم مؤخرا بالأبيار غاية في الجمال، إذ عمد إلى تشكيلها بطريقة حولت الأصداف إلى مجسمات ترمز كل واحدة منها إلى منظر طبيعي معين، وبين تشكيل الأصداف على هيئة شلال، أو على شكل حيوانات أو مزهريات كان التنوع حاضرا بجناحه، وفي دردشتا معه حول سر اهتمامه بالأصداف، أجاب مبتسما: “البطالة هي التي دفعتني إلى التفكير في وسيلة تنتشلني منها، وما كان منى إلا أن اهتديت إلى تعلم حرفة الأصداف التي كانت وليدة الصدفة المحضة بالنظر إلى ترددي الدائم على البحر للتنفيس عن همومي”. يربط سر النجاح بحرفة الأصداف بالموهبة من جهة، والقدرة على الابتكار من ناحية أخرى لتشكيل الأصداف على شكل تحف قد يوحي للناظر إليها أنها بسيطة، ويمكن لأي كان القيام بها، إلا أنها في حقيقة الأمر تشبه أسلوب الكاتب المشهور؛ العقاد الذي يسمى “بالسهل الممتنع”، فقد يتمكن أيا كان من إلصاق الأصداف ببعضها، إلا أن اللمسة الفنية التي تعطي التحفة جمالية كثيرا ما تغيب، وهو الفرق بين الحرفي المبدع وغير الحرفي، حسب خالد الذي أكد بأن النجاح في أي عمل يتطلب حب الحرفة أولا والإيمان بالقدرة على الذهاب بها بعيدا، ثم إطلاق العنان للمخيلة التي تتكفل بوضع التصور، حسب الأصداف المراد تشكيلها. لا يعتمد الحرفي خالد على الأصداف فقط في صناعة تحفه الفنية، وإنما اهتدى بحكم الممارسة الطويلة لها إلى إدخال بعض التفاصيل عليها، حيث قال بأن هذه الحرفة التي مارسها منذ عام 2003، أكسبته بعض الخبرة التي جعلته يفكر في تطويرها، إذ يعتمد على أي نوع من البقايا ليحولها إلى تحف تزيينية، مثل لحاء الأشجار وبعض الأغصان اليابسة، قشور بعض المكسرات، بالإضافة إلى نواة بعض الثمار مثل؛ الخوخ، واعتمادا على المخيلة يزاوج بين هذه الأشياء ويحولها إلى مجسمات فنية موجهة للتزيين. يستمد الحرفي خالد أفكاره من ملهمه الأول وهو البحر، لهذا تأتي أعماله مميزة ومنفردة ويأبى الاعتماد على الأنترنت لأنه يرفض التقليد، فعلى الرغم من أن بعض الأعمال التي أبدعها كان لديها مثيل على شبكة الأنترنت، مثل واجهة المرآة التي تأتي مرصعة بالأصداف، غير أن عمل الحرفي خالد كانت به بعض اللمسات الفنية التي جعلت تحفته مختلفة، ولعل هذا ما جعل إقبال المواطنين على اقتنائها كبيرا، تحديدا من قبل النسوة اللائي يملن إلى تزيين منازلهن بتحف مميزة أو تقديمها كهدايا. لا يجد الحرفي خالد أي صعوبة في المادة الأولية بحكم وفرتها، كونها تعتمد على الأصداف المختلفة التي يفرزها البحر، إلى جانب بعض مخلفات الطبيعة، غير أن المشكلة حسب خالد تتمثل في مادة السيلكون التي يعتمد عليها في عملية الإلصاق، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى، فإن ما يتم الترويج له بالأسواق هو الغراء المغشوش، الأمر الذي يصعب علينا العمل يقول خالد ومع هذا يؤكد أن هذا ما زاده إصرارا على التمسك بحرفته التي تمكن بواسطتها من المشاركة في العديد من المعارض عبر كامل التراب الوطني، وهو الأمر الذي جعله يؤسس لعلاقات جديدة مع حرفيين. وما يتطلع إليه الحرفي خالد هو القليل من الدعم من قبل الجهات الوصية، وأن تقوم غرف الحرفيين على مستوى الولايات بتشجيع هذه الحرف المبتكرة، مثل حرفة التزيين بالأصداف ومخلفات الطبيعة، خاصة أنها تلعب دورا كبيرا في حماية البيئة، كيف لا وهي التي تعتمد على إعادة رسكلة ما يفيض على البيئة من بقايا، ويناشد الجهات المعنية إيجاد مساحات دائمة للعرض، بحكم أن المعارض غير كافية قصد الترويج للحرفة التي تعتبر المصدر الوحيد للرزق بالنسبة لمعظم الحرفيين.