ومن الأصداف أصنع ما لا يمكن لأيّ كان تخيله... هي حرفة جميلة ليست بالجديدة، ولكن قلة قليلة أدركت قيمة الأصداف فاحترفتها ... هي عبارات رددها الحرفي بوعلام بودواني لدى حديثه ل''المساء''، عن حرفة التّزيين بالأصداف التي مارسها لمدة تزيد عن 35 سنة. قال الحرفي بوعلام عضو بجمعية رعاية الشباب لولاية بومرداس، أن هناك حرف وليدة النظرة الإبداعية للفرد، فهي التي تجعله يبتكر بعض الحرف ويعتمدها فيما بعد موردا للرزق، فمن منا لم يزر يوما شاطئ البحر، ومن منا لم تثر إعجابه الأصداف؟ إلا أن القليل فقط من الناس فكروا في كيفية استغلال هذه المخلوقات البحرية، وتحويلها إلى نماذج تزين بها البيوت، أو تقدم كهدايا للأحباب والأقارب في بعض المناسبات السعيدة. يتحدث الحرفي بوعلام عن بدايته مع هذه الحرفة التي أسماه بالحرفة الجميلة، قائلا: ''بحكم أنني أنتمي إلى ولاية ساحلية، وهي ولاية تيبازة، فقد كبرت وترعرعت على شاطئ البحر، وفي كل مرة كنت أزور فيها البحر، أجلس فيها على الشاطئ لأتأمل مطولا الأصداف، ولشدة إعجابي وعشقي الكبير لها، كنت أجمعها وأحتفظ بها. وقررت يوما استغلال هذه الأصداف في شيء ما، وقلت في نفسي... لم لا أجرب إلصاق هذه الأصداف على صندوق كان عندي بالمنزل، ليصبح أكثر جمالا؟ وبالفعل، بعد أن فرغت من إلصاقها، بدأت الأفكار تنهال علي، وبدأت أبدع بإلصاق الأصداف ببغضها البعض وتحويلها إلى ديكورات تصلح لتزيين المنازل، ومنذ هذه اللحظة، قررت أن أتحول إلى حرفي يجمع الأصداف ليحولها إلى تحف تزيينية جميلة. عشق الحرفي بوعلام الكبير للأصداف حال دون تغير لونها، يقول: ''أعتقد أنني مهما حاولت، لن أتمكن من إعطاء لون للصدفة، أوشكل أحسن من ذلك الذي أبدعه الخالق فيها، لذا أحرص عند جمعها وتحويلها إلى تحف على أن أحافظ على شكلها كما هو، بل وأحاول في كثير من الأحيان أن أختار لها نموذجا يساهم في إبراز قدرة وإبداع الخالق من خلال ما أعده من عمل، لذا أتجنب الإضافات، إلا أنني أميل في بعض الأحيان إلى نثر بعض اللمعان عليها لأجعلها تستقطب الزبائن. وعن كيفية استلهام الأفكار، جاء على لسان الحرفي بوعلام بأن الطبيعة هي ملهمته، يكفي فقط أن تكون روحه مبدعة، ليتمكن من تحويل أي شيء يقع عليه نظره إلى تحفة صدفية على غرار الطيور والأزهار. لا يستغرق صنع تحفة تزيينية من الأصداف البحرية وقتا طويلا، خاصة إذا كانت المادة الأولية المتمثلة في الأصداف بالدرجة الأولى والغراء متوفرة، حيث قال محدثنا إنه ''فيما مضى كان يقوم بجمع الأصداف من الشاطئ بنفسه، ثم يعمل على تحويلها إلى نماذج تزينية، غير أن كثرة الطلب عليه لا سيما مع حلول موسم الإصطياف، جعله يشغل بعض الشباب في جمعها ليتفرغ للإبداع. الإنتشار الواسع لحرفة التزيين بالأصداف بالولايات الساحلية، على غرار بومرداس وتيبازة، دفع ببعض الحرفيين للتفكير في إقامة صالون خاص بها، حيث قال بوعلام: ''نجري هذه الأيام الكثير من الإتصالات مع غرفة الصناعات التقليدية ليتم دعمنا، من أجل القيام بأول صالون وطني للإبداعات الصدفية، وهي فرصة حتى نعرّف من خلالها الجمهور بقيمة الصدفة وما يمكن أن يصنعه منها. الحرفي بوعلام كغيره من الحرفين، يعاني من بعض المشاكل التي يتمنى أن تتكفل الجهة الوصية بحلها، حيث قال: ''تلقى هذه الحرفة إعجاب كل من يطلع عليها من خلال المعارض الكثيرة التي قمت بها، وألمس رغبة كبيرة من الشباب لتعلمها، ولأن هذه الحرفة لا تتطلب مواد كثيرة لاسيما وأن الجزائر تحوي على شريط ساحلي يقدر ب1200كلم، ولكم أن تتصورا حجم ما يزخر به من أصداف، لذا نتمنى أن يتم دعمنا بغية تعليم هذه الحرفة التي تساهم في امتصاص البطالة، وانتعاش السياحة. فلا يخفى عليكم أنه مع حلول موسم الاصطياف نتلقى طلبات كبيرة على هذه التحف التي تستهوي الأجانب. يختم محدثنا كلامه بالقول: ''ينفطر قلبي إذا رأيت شخصا يحطم صدفة، وأحدّث نفسي فأقول؛ لو أنه يقصدني، لعلمته كيف يستغل هذه القطعة البحرية، لذا أتمنى أن تكون لدي، مستقبلا، ورشة لأعلم بها هذه الحرفة الراقية.