أجمع المشاركون في الندوة التاريخية التي نُظمت حول الأمير عبد القادر، على الفضل الكبير للرجل في التأسيس لأولى المعالم السياسية والاجتماعية والثقافية للدولة الجزائرية الحديثة، منوّهين بالجهود الجبارة التي بذلها الرجل في سبيل بناء كافة المكونات الفكرية والثقافية والحضارية لمؤسسات الدولة في تلك الفترة، التي جاءت كثمرة المبايعة التاريخية. وأبرز أساتذة جامعيون ومؤرخون خلال هذه الندوة التي احتضنها أمس منتدى جريدة "المجاهد" بوسط العاصمة تحت عنوان: "البعد الفكري والثقافي لدولة الأمير عبد القادر"، بمناسبة الذكرى 130 لمبايعته الشهيرة المتزامنة مع يوم 27 نوفمبر، انفراده وتميّزه البارزين في التخطيط والتنظيم السياسي والإداري للقطاعات الحيوية للدولة بمفهومها الحديث، وقدرته على استشراف الأزمات الممكن أن تعترض نظام الحكم أو ضرب استقرار أركان الدولة، وهو الأمر الذي مكّنه من إقامة نظام سياسي صمد طويلا في وجه الاستعمار الفرنسي. وفي هذا الإطار، أكد الباحث الجامعي محمد طيبي أن مبايعة الأمير عبد القادر تُعتبر من الأيام الوطنية، لكونها مهّدت لتأسيس وبعث الدولة الجزائرية الحديثة آنذاك، القائمة على أركان وأسس حكم عصرية، مذكرا بأن هذه البيعة كانت الحصن المنيع، الذي مكّن الرجل من إقامة سلطة سياسية ساهمت في الدفاع عن مقومات وثوابت الأمة. وأوضح الأستاذ طيبي أن مبايعة هذا الرجل الرمز في تاريخ الجزائر، جعلت الأمير عبد القادر باعتبارها مصدر الشرعية من الصمود في وجه الاستعمار الفرنسي 17 سنة كاملة؛ لاعتماده في ذلك على قيم الجهاد والمقاومة الشعبية الدائمة، مشيرا، مقابل ذلك، إلى معارضته من قبل بعض الأطراف رغم استطاعته لمّ شمل الفرقاء وتصفية القلوب في تلك الفترة، لاسيما في زمن طمس الروح الجزائرية وتدمير التوافق بين أفراد الشعب من قبل الأتراك. وأضاف المتدخل صاحب كتاب (الجزائر في القرن ال19)، أنه رغم بعض الخلافات التي كان يواجهها الأمير مع أطراف كانت تعارض طريقة تسييره لشؤون الحكم وتنظيم الجيش والإدارة، إلا أن ذلك لم يمنع هؤلاء المناوئين من العودة إلى هذا الرمز في كل صغيرة وكبيرة، لتمتّعه بالحنكة السياسية والشجاعة منقطعة النظير. كما دعا إلى ضرورة جعل البيعة مكسبا تاريخيا وسياسيا في إعادة تأسيس المركزية السياسية، ومرجعا متكاملا في مفهوم منظومة الحكم، على حد قوله. وبدورهم، دعا المتدخلون في ختام الندوة إلى وجوب رد الاعتبار لبيعة الأمير في مؤسسات التعليم العالي، لفائدة طلبة التاريخ وبالمؤسسات التربوية، وجعلها مرجعا للأجيال القادمة، تستلهم من قيمها وأبعادها المتنوعة. كما طالبوا بحتمية الاهتمام بحياة هذه الشخصية المؤسسة لمقومات الدولة الجزائرية الحديثة، من خلال تسليط الضوء على إنجازاته الاستراتيجية والسياسية والعسكرية والمدنية والإنسانية، مشددين على ضرورة إنصاف شخصية الرجل حيال ما تعرضّت له من تشكيك وتغليط؛ بهدف طمس قيم الشخصية الوطنية. ويُذكر أن مؤسسة الأمير عبد القادر أعلنت سابقا عن إطلاقها لبرنامج خاص يتضمن ندوات فكرية وتاريخية شهرية، حول حياة الأمير لفائدة تلاميذ الثانويات بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية، حيث يؤطر هذه الندوات التي ستنظَّم عبر عدد من ثانويات الوطن، أساتذة ومؤرّخون ومتخصصون في التاريخ. وتندرج هذه الندوة التاريخية التي بادرت بتنظيمها جمعية "مشعل الشهيد" بالتنسيق مع منتدى جريدة المجاهد في إطار منتدى الذاكرة، في إطار برنامج اللجنة الولائية للاحتفال بالأعياد الوطنية بمناسبة الذكرى ال50 لاسترجاع السيادة الوطنية. كما عرفت المناسبة حضور أساتذة وشخصيات وطنية وطلبة وتلاميذ من ثانوية الأمير عبد القادر بالعاصمة.