تختتم، اليوم، قمة الإليزي لقادة الدول والحكومات الإفريقية الذين مثلوا حوالي أربعين دولة إفريقية ضمن لقاء بهذه الأهمية خصص لتشريح مشاكل القارة في محاولة لإيجاد حلول ممكنة لها بدءا بالمسائل الأمنية ووصولا إلى قضايا التعاون الاقتصادي بين فرنسا ودول القارة. وينتظر أن يصدر القادة المشاركون في القمة بيان باريس الذي سيحدد أطر التعاون المستقبلي بين دول القارة الإفريقية وفرنسا والقضايا ذات الأولوية التي يتعين تنسيق التعاون بشأنها خدمة للطرفين. وكانت قمة الاليزي حول الأمن والسلم في إفريقيا التي رعاها الرئيس فرنسوا هولاند انطلقت، صباح أمس، وقد خيم على قاعة قصر الرئاسة طيف الرئيس الجنوب إفريقي الرمز نيلسون مانديلا وسط أجواء حزن كبير ساعات بعد الإعلان عن رحيله الأبدي. وقال الرئيس الفرنسي إن "نيلسون مانديلا هو الذي يترأس أشغال قمة اليوم فهو رمز يفرض نفسه علينا ومسوؤلية إجلال روحه تقع على عاتقنا". وأضاف في الكلمة التي ألقاها بمناسبة افتتاح القمة إنه "يتعين علينا جميعا أن نواصل على الطريق الذي فتحه أمامنا ونتحاور حتى نجد حلولا إفريقية لمشاكل افريقية". وارتأى المنظمون حتى يعطوا مكانة للرئيس الراحل في الذاكرة الإفريقية تنصيب صورة ضخمة له أمام منبر الخطابة الذي تداول عليه الرؤوساء المشاركون وهو رافع يده بابتسامته العريضة المعهودة عليه. وانطلقت القمة أمس بإعلان دقيقة صمت ترحما على روح فقيد الإنسانية ورمز كفاحها التحرري في نفس الوقت الذي ألقى فيها الرئيس الفرنسي كلمة تأبينية تكريما لروحه أمام ممثلي الدول الإفريقية المشاركة في هذه القمة قبل أن تتبعها تأبينية ألقتها وزيرة خارجية جنوب إفريقيا مايتي نكوانا ماشابان التي مثلت بلادها في هذا الموعد السياسي. ويمكن القول أن رحيل الرئيس الجنوب إفريقي الأسبق نيلسون مانديلا أربك القمة والمشاركين فيها وأخلط على الرئيس الفرنسي حساباته التي كان يرجوها من لقاء أعد له منذ أشهر بعد أن نكست أعلام الدول المشاركة وتحولت القمة إلى أحاديث جانبية عن الرجل وخصاله. والمصادفة أن انطلاق القمة التي حملت عنوان الأمن والسلم في إفريقيا صادف أيضا شن القوات الفرنسية لعملية "صنغاريس" الفرنسية في دولة إفريقيا الوسطى لدعم هذه الدولة المهددة بتمرد عسكري أدخلها في فوضى عارمة منذ الإطاحة بنظام الرئيس فرانسوا بوزيزي. ولكن الرئيس الفرنسي حرص منذ البداية على التأكيد أن بلاده تريد وضع حد لمثل هذه العمليات عندما خاطب الرؤوساء الأفارقة بأن قارتهم يجب أن تصنع مصيرها بيدها وتضمن أمنها دون انتظار الآخرين. وقال إن بلاده ستكتفي فقط بتقديم الدعم اللوجيستي وتكوين وتأطير عناصر قوة تدخل سريعة إفريقية وتدريب أكثر من 20 ألف عسكري إفريقي سنويا. وجاء تصريح الرئيس هولاند في تعارض صريح مع تصريحات الرئيس المالي الجديد ابراهيم بوبكر كايتا الذي قال إن التدخل الفرنسي في إفريقيا الوسطى "واجب تاريخي" للقوة الاستعمارية السابقة" مدافعا في ذلك أيضا عن تواجد أكثر من أربعة آلاف جندي فرنسي في بلاده ضمن قوة "سيرفال" التي شرعت فيها شهر جانفي الماضي. وإذا كانت فرنسا تريد الاستغناء عن القيام بعمليات عسكرية في دول افريقية وخاصة تلك التي كانت خاضعة لها استعماريا في محاولة لإعطاء صورة جديدة لها في إفريقيا وكل العالم فإنها من جهة أخرى لم تعد قادرة على فعل ذلك بسبب متاعبها الاقتصادية والأزمة المستفحلة التي تعانيها في السنوات العشر الأخيرة.