اختُتمت أشغال اللجنة المختلطة الكبرى الجزائرية - الليبية أمس، بالتوقيع على اتفاقيتين ومذكرة تفاهم تخص النقل والأرشيف والتجارة. وتتمثل الاتفاقيتان اللتان جرى التوقيع عليهما بحضور الوزير الأول السيد عبد المالك سلال ورئيس الحكومة الليبي علي زيدان، في اتفاقية تخص التعاون في مجال النقل الدولي للأشخاص والبضائع، وأخرى حول إقامة منفذ جمركي موحَّد على مستوى المنطقة الحدودية (الدبداب - غدامس)، إلى جانب مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الأرشيف. كما وقّع السيد سلال ونظيره الليبي على محضر الدورة ال14 للجنة المشتركة الكبرى. وفي كلمته الافتتاحية خلال أشغال الدورة، أكد الوزير الأول أن زيارته إلى ليبيا والتي تتزامن مع إحياء الشعب الليبي للذكرى ال62 لاستقلاله، تحمل "أكثر من دلالة"؛ بالنظر إلى ما تشهده المنطقة من تحديات ومخاطر، مشيرا إلى أن هذه الزيارة "تنطوي على الرغبة التي تحذونا لفتح صفحة متجددة في مسيرة علاقاتنا الثنائية، ومرافقة الشعب الليبي الشقيق في تحقيق تطلعاته إلى بناء ليبيا الجديدة". وقال السيد سلال في كلمة له بمناسبة افتتاح أشغال الدورة ال14 للّجنة العليا المشتركة الجزائرية - الليبية التي ترأّسها مناصفة مع نظيره الليبي علي زيدان، إن "الانطلاقة المتجددة التي تشهدها علاقاتنا الثنائية ما هي إلا ثمرة للتوجيهات السديدة والحكيمة لكل من رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة والسيد نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام". وعبّر السيد سلال عن يقينه بأن اجتماع اللجنة العليا المشتركة الجزائرية - الليبية، يشكل "محطة فارقة في علاقات التعاون بين بلدينا، ويؤسس لمستقبل نريده واعدا"، مذكرا بأن الجزائر "تتابع باهتمام كبير، المجهودات القيّمة التي تبذلها ليبيا في هذه المرحلة الهامة من تاريخها". وأوضح الوزير الأول ثقته "في قدرة الشعب الليبي على رفع التحدي والتأسيس لعهد جديد، ينعم فيه بالعزة والكرامة والأمن والاستقرار"، مؤكدا "وقوف الجزائر إلى جانب ليبيا، ومساعدتها على إنجاح عملية التحول السياسي وتجاوز العقبات الظرفية". وأضاف أن انعقاد اللجنة العليا المشتركة "مناسبة هامة لتعميق المشاورات حول تكثيف التعاون وتنسيق المواقف بين بلدينا؛ لإرساء سياسة أمنية مشتركة، توفر المناخ الملائم لبناء علاقات اقتصادية قوية". وفي سياق إضفاء الطابع الملموس على التعاون الثنائي، دعا الوزير الأول المستثمرين ورجال الأعمال في الجزائر وليبيا، إلى المساهمة بشكل "جادّ وفعّال" في المشاريع التنموية الكبرى المقامة في كلا البلدين. وأوضح أن "بعث ديناميكية اقتصادية جديدة بين البلدين، سيعزّز فرص التواصل وترابط المصالح بين الفاعلين الاقتصاديين، لاسيما في القطاعات الواعدة، مثل الطاقة والشراكة والاستثمار والصناعة". وفي هذا السياق، اقترح السيد سلال "وضع خارطة طريق تضبط مجالات التعاون وتحدد أهدافه وفق جدول زمني مضبوط"، داعيا، في ذات الوقت، اللجان الفنية المشتركة إلى استئناف عملها. كما أن التحديات التي تواجه المنطقة قد أخذت حيّزا من كلمة رئيس الجهاز التنفيذي، حيث تطرّق للظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة جراء تدهور الأوضاع الأمنية بفعل الانتشار الواسع للأسلحة، ودعا الأجهزة المختصة في كل من الجزائر وليبيا في هذا الصدد، إلى تكثيف التنسيق والتعاون وتبادل المعلومات فيما بينها؛ قصد تأمين الحدود البرية المشتركة وحمايتها، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة في منطقة الساحل". وثمّن الوزير الأول "الخطوات التي قطعها التعاون والتنسيق الأمني بين البلدين"، مشيدا في هذا الصدد ب "النتائج المشجعة التي تحققت إلى حد الآن في مجال تدريب وتكوين أفراد الشرطة الليبية في الجزائر"، معلنا بالمناسبة عن "استعداد الجزائر لتلبية احتياجات الأشقاء في ليبيا في هذا المجال". وكانت لجنة متابعة اللجنة الكبرى قد انعقدت أول أمس بطرابلس؛ حيث عكف خبراء البلدين على التحضير لأشغال اللجنة الكبرى من خلال ثلاثة أفواج عمل، تناولت التعاون في المجال الاقتصادي والخدماتي والأمني. وكان الوزير الأول قد تحادث في وقت سابق مع نظيره الليبي علي زيدان، حيث جرت المحادثات بحضور أعضاء الوفدين الجزائري والليبي. كما أجرى محادثات مع رئيس المؤتمر الوطني العام الليبي السيد نوري أبو سمهين. وجرت المحادثات بمقر المؤتمر (البرلمان) بحضور وزير الدولة وزير الداخلية والجماعات المحلية الطيب بلعيز ووزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة ووزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي. وكان الوزير الأول قد زار أيضا المجلس الولائي الواقع وسط مدينة طرابلس؛ حيث حظي عند المدخل باستقبال حار من طرف رئيس المجلس السيد ساداتي البدري وأعضاء المجلس وأعيان مدينة طرابلس. وبهذه المناسبة، قدّم رئيس المجلس هدية رمزية للسيد سلال، كما أهداه الوزير الأول برنوسا جزائريا كعربون محبة من الشعب الجزائري إلى الشعب الليبي.
تأكيد على الإرادة الصادقة للجزائر في مساعدة ليبيا وكان تواجد الوزير الأول بالمجلس الولائي فرصة للتأكيد على الإرادة الصادقة للجزائر في مساعدة ليبيا ومرافقتها من أجل بناء مؤسسات الدولة، مضيفا في كلمة أمام أعضاء المجلس: "تحذونا إرادة صادقة وقوية في مرافقة الأشقاء في ليبيا من أجل بناء مؤسسات الدولة المواكبة لتطور العصر"، ومن ثم "إنعاش الاقتصاد وتحسين الوضع الاجتماعي وتأمين الحدود المشتركة وتنميتها". وقال إن هذه الزيارة جاءت "تجسيدا لرغبة البلدين من أجل فتح صفحة جديدة في مسار تطوير علاقاتهما الثنائية، والدفع بها قدما صوب آفاق رحبة، تعود بالخير الوفير على شعبي البلدين". وفي هذا الصدد، أكد السيد سلال أن "ما يجمع الشعبين والبلدين من أواصر القرابة والجوار والنضال المشترك"، يشكل "صرحا منيعا، من شأنه أن يحفظ سلامة العلاقات بين البلدين التي ترسّخت عبر مراحل التاريخ العريق". ولدى تطرقه للتاريخ الذي يجمع البلدين قال السيد سلال إنه "بات لزاما على الجزائر وليبيا الانحناء بخشوع أمام أرواح شهداء البلدين، التي سقطت من أجل الاستقلال وانتزاع الحرية". وعن العلاقات التي تجمع الشعبين، أكد الوزير الأول وقوف الشعب الجزائري إلى جانب الشعب الليبي؛ حيث قال: "إن إخوانكم في الجزائر يحبّونكم ويقفون إلى جانبكم في السراء والضراء"، معربا عن يقينه بأن ليبيا "ستتغلب على الصعاب، وستنتصر في آخر المطاف". وتابع بأن ما تعيشه ليبيا "شدة وستزول"، مبرزا أن "الشعب الليبي مثله مثل الشعب الجزائري، جذورهما واحدة، مرتبطة بالعروبة والأمازيغية، وكلاهما يدين بالإسلام السني". وأضاف بأن المرحلة التي تمر بها ليبيا تندرج في إطار "مسار تاريخ الأمم"، ومن خلاله "تعود الكلمة دوما وأبدا للشعب". كما لم يفوّت السيد سلال الفرصة لينقل إلى الشعب الليبي تحيات رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، متمنيا له كل "السعادة والوئام". وهو التأكيد الذي جدّده خلال ندوة صحافية نشّطها رفقة رئيس الحكومة الليبي عقب اختتام الأشغال، حيث قال إن الجزائر ستقف إلى جانب ليبيا بالنسبة لأمن حدودها، كما هو معروف من القديم وقفة رجال، كما تقف إلى جانبها في المحافل الدولية؛ دفاعا عن مصالحها وحقوق شعبها. وتابع الوزير الأول متطرقا للعلاقات الوطيدة التي تجمع البلدين، أن الجزائر "التزمت بهذه الزيارة"، مبرزا أن الجزائر "أخت ليبيا أحبَّ من أحبَّ وكره من كره"، وأن ذلك هو "حقيقة التاريخ والجوار". وفي سياق متصل، تحدّث السيد سلال عن الوضع الذي تعيشه ليبيا، مشيرا إلى أن هذا البلد "يعيش مشكلا أمنيا بالنظر إلى تدهور الوضع الأمني في كل منطقة الساحل ودول الجوار، ناهيك عن اضطرابات تعيشها دول عربية وإسلامية". ودعا الشعبَ الليبي في هذا الصدد إلى التمسك بوحدته الوطنية؛ حيث قال: "حذار بالنسبة للوحدة الوطنية"، مبرزا أن الجزائر "تقف مع ليبيا في الدفاع عن وحدتها الوطنية إلى آخر لحظة"، كما حذّر الشعب الليبي من مخاطر "الانزلاق الأمنية". وتابع السيد سلال يقول إنه زار ليبيا اليوم، وإن اقتضت الضرورة سيعود إليها. كما أكد بأن وزراء ليبيين سيزورون الجزائر مستقبلا لتجسيد مختلف أوجه التعاون". من جهة أخرى، نوّه السيد سلال بهذه الزيارة، التي تُعد - كما قال -"الأولى بعد التحرير الذي دفع من أجله الشعب الليبي تضحيات جسام وخلّف مأساة كبيرة". ومن جهته، ثمّن رئيس الحكومة الليبي علي زيدان، زيارة الوزير الأول عبد المالك سلال إلى طرابلس، مبرزا أنها تمت في ظرف يتردد فيه الكثيرون عن المجيئ إلى ليبيا. وقال السيد زيدان خلال ندوة صحفية نشّطها بطرابلس رفقة السيد سلال بأن: "هذه الزيارة تأتي في ظرف يتردد فيه الكثيرون عن المجيئ إلى ليبيا"، شاكرا "دعم الجزائر ووقوفها إلى جانب ليبيا في هذا الظرف". وعلاوة على إشادته بالأجواء التي انعقدت فيها اللجنة المشتركة العليا، أشار السيد زيدان إلى أواصر الأخوّة التي تجمع الشعبين، والتي تجسدت خلال ثورة أول نوفمبر المجيدة. كما أكد أن نتائج اللجنة المشتركة ستنعكس على "تفعيل" علاقات البلدين، لاسيما في المجال الأمني والتدريب وتأهيل الإطارات والدفاع؛ من خلال تدريب بعض العناصر من الجيش الليبي، إلى جانب التعاون في مجال مراقبة الحدود. وتُعد زيارة الوزير الأول إلى ليبيا الثانية من نوعها في ظرف سنة، بعد تلك التي تمت بغدامس في جانفي 2013، وجمعته برئيسي حكومتي ليبيا وتونس. كما تهدف زيارة أمس، والتي دامت يوما واحدا، إلى بحث سبل التنسيق والتحكم في الوضع الأمني بين البلدين؛ بهدف ضمان الاستقرار، الذي يُعد شرطا أساسيا في تطور المنطقة.