تشير الوقائع الميدانية إلى أن نسبة كبيرة من أطفال العالم مستغلة في الحقل الاقتصادي، وهي الظاهرة التي دفعت بالمجتمع الدولي الى توحيد مجهوداته من أجل ضمان حق الأطفال في التعليم المجاني والإجباري، من خلال تطبيق المعاهدة الدولية لحقوق الإنسان للحد من عمالة الأطفال في غضون 2015. ويشكل البرنامج الدولي المسطر من طرف المنظمة الدولية للعمل، لإلغاء عمالة الأطفال، أهم انشغال بالنسبة لدول العالم، التي تسعى إلى اعادة إدماج هذه الشريحة، من خلال استراتيجية تمتد من 2006 الى 2010. وكان تقرير المنظمة الدولية للعمل، قد كشف في ماي 2006، أن عدد الأطفال الذين يعملون بلغ 218 مليون سنة 2004 من بينهم 126 مليون طفل أجبروا على أداء الأعمال الشاقة. وتعد إفريقيا شبه الصحراوية، المنطقة الأكثر معاناة من ظاهرة عمالة الأطفال، حيث يقدر عدد الأطفال الذين يشتغلون بها بحوالي 50 مليون طفل تقل أعمارهم عن 15 سنة، وهو ما يعود الى النمو الديمغرافي الذي يشكل ضغطا على النظام التربوي وارتفاع نسبة الإصابة بالسيدا، أما في آسيا والمحيط الهادي، فيعمل 122 مليون طفل، حيث تسود أسوأ أشكال عمالة الأطفال، والذين يتم اقحامهم في مجال الأعمال الشاقة والدعارة، وبهذا الخصوص يقترح مخطط منظمة العمل الدولية، اعتماد عام 2016 كآخر أجل للقضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال. وحسب تقرير المنظمة العالمية للتنمية لسنة 2007، فإن مسعى ضمان التعليم الابتدائي لكافة أطفال العالم في آفاق 2015، سيكون صعب التجسيد، بالنظر الى حقيقة أن 65 من الدول الإفريقية لا يمكنها أن تحقق هذا الهدف قبل 2040. كما أبرز التقرير العالمي المتعلق بهدف التعليم للجميع سنة 2007، أن 72 مليون طفل في سن الدراسة لم يلتحقوا بالمدارس، من ضمنهم 44 مليون طفلة، إذ تمثل الإناث نسبة 55 من مجموع الأطفال غير المتمدرسين، وفي نفس الإطار تكشف الأرقام أن 82 من الأطفال غير المتمدرسين يقطنون في المناطق الريفية، حيث تعمل المدارس في ظل شروط سيئة، مقابل انتشار عوامل ثقافية لا تشجع على التعليم، خصوصا بالنسبة للإناث وتكرس ذهنية تفضيل عمل الطفل على التعليم. هذه المعطيات تفصح عن حقيقة مفادها أن عمالة الأطفال وما ينجر عنها من انعكاسات سلبية، أخطر كالاستغلال الجنسي، التشرد والانضمام الى شبكات الإجرام، آفة يتأتى خطرها من ذهنيات بعض الآباء المجحفة في حق الطفولة، والتي يتم بموجبها تحميل الأطفال مسؤولية أثقل من أجسادهم الصغيرة واختزال أهم مرحلة من أعمارهم، بمنعهم من التعليم، فمعاناة الطفولة قبل أن تكون نتيجة عوامل اقتصادية وحضرية، هي نتاج أعناق هشة استقالت عن أداء مهمة تربية النشء وتعليمه.. لذا فإن مكافحة هذه الظاهرة المؤسفة والمؤلمة في آن واحد، تتوقف على استيقاظ ضمائر بعض الآباء ليدركوا أنه من العار أن يكونوا سببا في تعذيب فلذات كبدهم بحجة الظروف الاقتصادية!