يولد الطفل على الفطرة ويأتي دور التربية في المحافظة عليها، والتربية بالقدوة هي من أبرز معالم المنهاج النبوي في تنشئة الصغار ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة إذ اتسم الجانب الإنساني لديه “صلى الله عليه وسلّم” بسمو الأخلاق ورفعتها وهو الرسول الأكرم الذي لشدة أدبه امتدحه المولى عزّ وجل في سورة القلم بقوله: (وإنّك لعلى خلق عظيم). كما امتاز عليه الصلاة والسلام بالصدق والأمانة لدرجة أن لقّب بالصادق الأمين منذ الصغر، وهو من تربى يتيما وعاش كريما ومات عظيما، وأدّبه ربّه فأحسن تأديبه، فكان عليه الصلاة والسلام رحيما باليتامى مشفقا على الفقراء والحيوان والنبات، متفهّما متسامحا كريما، كان “صلى الله عليه وسلم” لينا، يحب الرفق في قضاء الأمور، ويأمر باليسر وينهى عن العسر وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وقد جذبت رحمته “صلى الله عليه وسلم” الكثير من الناس إلى الإسلام وكشف لين الجانب عنده، سرّ التفاف الناس من حوله، وهذا ما يؤكّده قوله تعالى في سورة آل عمران: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين). كما عرف رسول الله “صلى الله عليه وسلم” بالتواضع في قوله وفي سلوكه، وفي تعامله مع الناس على اختلاف مكانتهم ودرجاتهم وأصنافهم، كما كان صلى الله عليه وسلم لا يخشى في الحق لومة لائم، ولا يحجبه عن حدود الله ونفاذها حاجب مهما بلغت قوته أو عظم جاهه وسلطانه. فالرسول صلّى الله عليه وسلّم، مدرسة متكاملة المناهج، راسخة الأصول، وافرة الظلال في التربية القويمة والتنشئة الصالحة، فهو من حثّ على العلم دون تمييز بين ذكر أو أنثى، ووقّر العلم والعلماء وحبذ مخالطة النشء للكبار في مجالس الذكر لما في ذلك من تقدير للصغار ودعم لتهيئتهم للقيادة والريادة والإمامة، وللتربية لديه صلّى الله عليه وسلّم جوانب متعدّدة: إيمانية، خلقية، عقلية، نفسية وجسدية إذ لم يهمل رسولنا الكريم هذا الجانب الأخير، ودعا إلى التسلية والترفيه والرياضة لتقوية الأجسام، وتجلى ذلك في قوله صلى الله عليه وسلّم: (علّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل). آمرا بالاعتناء بالأطفال لأقصى درجة، ناصحا على تعليمهم وتدليلهم وإكرامهم ليكونوا قرة عين للأسرة وذخرا للأمة.. فمن غير رسول الله يحق له أن يكون القدوة؟ وهو الجالب بحكمته وأخلاقه أمما كافرة، جلبها بأدبه وحسن خصاله ومعاشرته وشخصيته التي اختلطت بها معاني القرآن، فامتزجت بها فصارت تمثل واقعا حيا في شخصية فريدة، وحّدت قلوبا متباعدة وكيف لا وقد كان خلق رسولنا وشفيعنا يوم الأهوال، القرآن؟ فهو الحبيب الذي ترجى شفاعته في كل هول من الأهوال مقتحم، فالمستمسكون به مستمسكون بحبل غير منفصم، فاجعلوه لكم ولأولادكم على مدى حياتكم القدوة وصلوا عليه وسلّموا تسليما...