يغمر الرّحماء شعور بالأسى وهم يصادفون طفلا يتيما فقد أبا ودودا يلاعبه يتفقده، يعمل لأجل أن يوفّر له كل ما يحتاجه، وأمّا عطوفا اختارها البارئ بجواره ليُحرم هو من عطفها ودلالها، رأفتها وخوفها عليه، فيشعر بالحرمان وتفيض الأجفان، وتحز في النفس تلك الدمعة التي يذرفها اليتيم في كلّ حين بألم وحرقة، فتهب القلوب المشفقة لمسحها من على خد طفل ماله بعد الله سوى الرّحماء كفيلا، فبقدر ما نرضي اليتيم بقدر ما نكون راضين يوم الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن، فيقول الله تعالى لملائكته: يا ملائكتي، من ذا الذي أبكى هذا اليتيم الذي غيبت أباه في التراب، فتقول الملائكة؛ ربنا أنت أعلم، فيقول اللّه تعالى لملائكته: يا ملائكتي، اشهدوا أن من أسكته وأرضاه أنا أرضيه يوم القيامة». كما أمر القرآن الكريم بالإحسان إلى اليتامى والتخفيف من معاناتهم ومصيبتهم التي محت الابتسامة من على وجوههم البريئة الصغيرة وعوضتها حزنا وكآبة وحث على كفالة اليتامى في أكثر من آية، منها قوله تعالى:»وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ». سورة البقرة الآية: 220، وقوله: «وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإنّ الله به عليم». سورة النساء الآية 127. كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من ضمّ يتيما فكان في نفقته وكفاه مؤونته كان له حجابا من النار يوم القيامة، ومن مسح برأس يتيم كان له بكلّ شعرة حسنة». وقد أثنى صلى الله عليه وسلم على بيت فيه يتيم يحسن إليه فقال: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه». والعيد على الأبواب، وأنتم تتهافتون لاقتناء الملابس والألعاب للأولاد، تذكروا أن بينكم يتامى ينظرون بعين محرومة تهفو لمن يهديها ابتسامة، كلمة طيبة ومعها كسوة جديدة قد تملأ دنياهم سعادة وتخفّف من شعورهم بالوحدة، تكفلوا بهذه الفئة التي لا راحم لها بعد الله سواكم، افتحوا باب الإنفاق على هؤلاء الصغار المبتلين باليتم والحرمان، واعلموا أنّ ما تنفقونه اليوم هو ذخيرتكم ليوم عظيم، فما اليتيم إلاّ ساحة مفتوحة منها نجهّز للحياة عظيما، فيا كافل اليتيم كفك واحة لا تنبت الأشواك والزقوم، ابشر فإنّ الأرض تصبح واحة للمحسنين وتعلن التكريم، فحسب اليتيم سعادة أنّ الذي نشر الهدى في الناس عاش يتيما.. فيا أهل البر حوّلوا الحرمان بالرحمة نعمة تزيل عن القلوب هموما، وتذكروا أنّ الجزاء من جنس العمل وأنّ الإحسان جزاء الإحسان.