أكد الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية الأستاذ الجامعي الدكتور محمد لحسن زغيدي، أن تأسيس هيئة أركان جيش التحرير الوطني، جاء بعد أن أعلن الجنرال شارل ديغول صراحة، أنه جاء لإنقاذ فرنسا للمرة الثانية بعد أن أنقذها في المرة الأولى في الحرب العالمية الثانية، معلنا صراحة عن أن سنة 1959 ستكون سنة عسكرية بامتياز. وأضاف الباحث في هذا السياق، أن هذه السنة كانت فعلا سنة عسكرية ديغولية بامتياز، جنّدت فرنسا لها كل شيء للقضاء على الثورة، وجعلت من ديغول بطلها الذي سينقذها من الانهيار ومما مثلته الثورة الجزائرية من خطر على نفوذ فرنسا الدولي والأورو-أمريكي . وواصل الباحث يستعرض ظروف ومراحل تأسيس هيئة أركان جيش التحرير الوطني ودورها أثناء الثورة التحريرية، خلال منتدى الذاكرة الذي احتضنته جريدة المجاهد أمس؛ إحياءً للذكرى ال54 لتأسيس الهيئة؛ حيث اعتبر أن إدارة الاحتلال الفرنسي أعادت ديغول إلى السلطة حينما وقع الانقلاب في الجزائر على الدولة الفرنسية الأم في 13 ماي 1958 بعدما تقاعد. وكان على ديغول أن يبرهن للجنرالات الذين جاءوا به وهم دعاة "الجزائر فرنسية"، أنه في مستوى تحقيق طموحاتهم في تثبيت هذا المفهوم. ولذلك، ففور مجيئه يضيف المتحدث أعلن الجنرال ديغول عن أن سنة 1959 هي سنة عسكرية، وهي السنة التي لبس فيها القبّعة من أجل إظهار، للرأي الفرنسي والدولي، أن فرنسا هي رسميا في حالة حرب، وصادق حينها مباشرة على جميع المشاريع التي كانت مكلّفة للاقتصاد الفرنسي، بل دفع إلى الاستدانة من أجل بناء خط جديد أكثر عصرنة ودقة وقوة وفعالية من خط "موريس"، وهو خط " شال"، يحوي على عدد أكبر من الألغام، بلغ أزيد من 12 مليون لغم بين الخطين في الغرب والشرق، وهو العدد الذي يعوّض أكثر من نصف مليون عسكري فرنسي مدجَّجين بالسلاح. ويضيف الباحث أن فرنسا وعلى رأسها ديغول، لم تكتف بهذا الخط، بل قامت بعمليات التمشيط التي عُرفت بالعمليات الكبرى، بدأت في الولاية الخامسة، وانتهت في الولاية الثانية، وهذه العمليات التي استمرت مدة طويلة، جنّدت لها فرنسا كل الإمكانات، إلا أنها فشلت، وبيّنت لديغول أن هذا الحل العسكري غير مجدٍ. ويذكر المتحدث بأن السياسة العسكرية والاستراتيجية التي جاء بها ديغول، أضرت أيضا بجيش التحرير الوطني؛ لأن ديغول قام بإخلاء الأرياف من أهاليها ووضعهم في محتشدات بلغ عددها آنذاك 3426 محتشدا، ضمت 1٫6 مليون جزائري. كما أضرت بالعمليات العسكرية لجيش التحرير؛ حيث عرقلتها وعطّلتها وشتّتت الوحدات وقسّمتها إلى وحدات صغيرة، وقد عانى خلالها أفراد جيش التحرير معاناة كبيرة. كل هذا يضيف المتحدث دفع بجيش التحرير إلى اعتماد استراتيجية جديدة أعطته حماية في مواجهات استراتيجية مماثلة، وتعلّم وتأقلم معها، ولذلك رأت الحكومة المؤقتة والمجلس الوطني للثورة، ضرورة انعقاد دورة لتقييم سياسة ديغول التي كانت معروفة لديهم، وبالتالي لا بد من اتخاذ سياسة واستراتيجية جديدة تُبنى أوّلا على الجانب العسكري الدفاعي، والتفكير في كيفية تنظيم جيش التحرير الذي يقود الثورة في الداخل ويهيكل الشعب أيضا. وكان لا بد هنا من استحداث هيكلين؛ الأول على مستوى الحكومة، ويتمثل في اللجنة الوزارية للدفاع، شُكلت من ثلاثة وزراء، وهم نائب رئيس الحكومة السيد كريم بلقاسم، ووزير الخارجية وأيضا وزير الداخلية عبد الله بن طوبال ووزير السلاح والتموين عبد الحفيظ بوصوف. والهيكل الثاني هو تشكيل هيئة أركان عليا لجيش التحرير الوطني، تقوم بمتابعة يوميات ومعاناة جيش التحرير. وتُعتبر الهيئة قمة التنظيم، وتقوم باستراتيجيات مسبقة، وفعلا شكلت هذه الهيئة جيشا عصريا، استطاع أن يحقق الهدف، يؤكد الأستاذ زغيدي. وأشار المتحدث إلى أن تشكيل الهيئة بقيادة العقيد الراحل هواري بومدين، جاء بصفته كان قائد ولاية سابق، كما قاد ولاية حدودية، وكان متواجدا على التماس بالخطوط الأمامية للثورة التحريرية. وكانت للرجل علاقة حميمة مع العديد من الضباط والقادة، فوقع الاختياره عليه لقيادة هيئة الأركان رفقة كل من علي منجلي وقايد أحمد وزراري عز الدين، الذين استمروا معا في قيادة الهيكل العسكري إلى غاية تشكيل الحكومة الوطنية الأولى للدولة الجزائرية.