كانت نتائج مفاوضات مؤتمر ”جنيف 2” الذي رعاه الموفد الدولي الخاص إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، محل تشريح بمدينة ميونيخ الألمانية بينه وبين الأمين العام الأممي بان كي مون ورئيسي دبلوماسيتي الولاياتالمتحدة جون كيري والروسي سيرغي لافروف.وطرح الإبراهيمي جملة الملاحظات التي استخلصها طيلة أسبوع من المفاوضات انطلاقا من مواقف الجانبين بخصوص مضمون مؤتمر ”جنيف 1”، التي كانت بمثابة خارطة طريق هذه الجلسات التفاوضية. وسيقف الوزيران الأمريكي والروسي على حقيقة الخلافات التي افترق عليها الوفدان السوريان عند مغادرتهما مدينة جنيف، وأكدا أن عشرة أيام من اللقاءات المكثفة مع الأخضر الإبراهيمي لم تحقق أي اختراق في موقفيهما باستثناء قبول جلوسهما وجها لوجه في قاعة واحدة. ولكن الوفدين عندما افترقا فضّل كل واحد منهما التأكيد على أن الطرف الآخر لم يكن متعاونا، واتهماه بعرقلة سير المفاوضات ضمن حرب إعلامية ونفسية متوقَّعة، إذا أخذنا بحجم الأزمة والرهانات التي يريد كل طرف تحقيقها من هذه المفاوضات، التي أصبحت بالنسبة لهما آخر مجال للمناورة وتحقيق المكاسب المرجوة بعد ثلاث سنوات من اقتتال دامٍ. ورغم قناعة الجانبين بأن مأساة الشعب السوري يجب أن تتوقف بوقف الاقتتال وإسكات لغة السلاح، إلا أن لا أحد منهما تجرّأ على أخذ المبادرة، وكان له السبق في اتخاذ قرار مصيري بسبب قناعة كل منهما بأن للسلاح تأثيرا على مجريات المفاوضات القادمة. ولا يُستبعد أن تشهد الفترة الفاصلة بين الجولة المنقضية والتي يُنتظر أن تُستأنف بعد عشرة أيام، حربا إعلامية حقيقية بين الجانبين على خلفية النتائج الباهتة التي انتهت إليها الجلسات السابقة، والتي حكم عليها وزير الخارجية السوري وليد المعلم، بأنها ”كانت فاشلة” في تقييم حمّل أحمد جربا رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، مسؤوليته على دمشق، التي قال إنها ”لم تكن جادة في مفاوضاتها”.ورغم أن الأخضر الإبراهيمي أكد شساعة الهوة وأن إدارة المفاوضات كانت عسيرة، فإنه لم يرد الظهور بمظهر المنكسر، ولم يُقفل الباب تماما أمام بصيص أمل، قد يكون بداية لتحقيق الانفراج لأزمة لم تعد تُحتمل، قائلا إن القليل الذي تم تحقيقه يمكن أن يكون قاعدة لما هو آت. ولكن هل تصدق نبوءة الإبراهيمي أم أن عودة الفرقاء في العاشر من الشهر الجاري، ستكون بمواقف أكثر بعدا وتنافرا بعد أن تدخلت وسائل إعلام الجانبين في حرب شرسة لتجريم الطرف الآخر؟ وهو الأمر الواقع الذي يُنتظر أن يعرف تصعيدا قادما، خاصة أن الجانبين لا يريدان تقديم أدنى تنازل في مواقفهما بخصوص القضايا الإنسانية، فما بالك بالقضايا الجوهرية ذات الصلة بالحكومة الانتقالية ومستقبل الرئيس بشار الأسد؟ وهو ما جعل الأمين العام الأممي بان كي مون يحث الجانبين على العودة إلى جنيف؛ لأنها المكان الوحيد الذي يمكن أن يمهّد لإنهاء مأساة الشعب السوري، داعيا إياهم إلى استغلال هذه المفاوضات لتحقيق التقدم الذي يستدعيه الموقف، وإزالة كل العقبات التي قد تُجهض هذه المفاوضات. ويكون الأمين العام للأمم المتحدة قد استشعر أن فترة التوقف والتقييم التي مُنحت للجانبين، قد تتحول إلى فترة لتعميق الهوة بينهما في ظل تبادل التهم بينهما. وقد أجمعت الصحف الحكومية السورية أمس، في أول تقييم لها للمرحلة الأولى من مؤتمر جنيف، على توجيه انتقادات لاذعة لوفد المعارضة السورية، الذي اتهمته بالخيانة والعمل لصالح قوى أجنبية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، في رد على بيان أصدرته دول أصدقاء سوريا، التي حمّلت النظام السوري مسؤولية فشل تحقيق أي تقدم في هذه المفاوضات. ولا يُستبعد أن تشتد لهجة التلاسن عبر مختلف وسائل الإعلام بين الجانبين خلال الأيام القادمة، بما قد يعيد الضغينة إلى المواقف، ويُبعد كل حظ للعودة إلى جنيف.