احتفل العالم منذ أيام باليوم العالمي للراديو الذي قررته منظمة اليونيسكو فهل لايزال للراديو مكان في عصر هيمنت فيه الأنترنت، وتوابعها من مواقع التواصل الاجتماعي، على مجريات الحياة؟ بعد مرور أكثر من 100 عام على أول بث إذاعي، لا يزال الراديو وسيطا إعلاميا مهما في أنحاء العالم كافة. ولم ينحسر دوره أو ينزوي بعد زحف الأنترنت وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة فائقة خلال السنوات العشر الماضية. بسط الراديو سلطانه، ليس فقط عبر الأثير، بل على الفضاء الافتراضي أيضا، فأصبح بإمكان جماهير المستمعين الاستماع إلى مئات المحطات الإذاعية دون حاجة إلى مذياع، عبر الأنترنت، ومن خلال تطبيقات على أجهزة الهواتف الذكية، والأجهزة الإلكترونية المحمولة، بل أفاد الراديو من ثورة التكنولوجيا الرقمية إلى حد كبير، إذ جعلت تلك التكنولوجيا أدوات الإذاعة والتسجيل أصغر، وأخف وزنا، وأسرع أداء، وأرخص سعرا، كما خلقت ثورة في طرق تسجيل الأصوات والموسيقى، والتحكم في نوعيتها وسهولة سبل التعامل معها في المونتاج. قد تكون طبيعة الراديو ذاتها أحد العوامل التي هيأت له البقاء حتى الآن فهو وسيط يمنح حرية الرسم والتصوير لما يسمع إذ يمكن رسم تصور للمذيع أو المذيعة في الذهن وفي الصورة التي تحلو ورسم صورة للأحداث التي تنقل بحرية يفتقدها مشاهد التلفاز. وإن كان الراديو يكلم الملايين، في القرى، المدن، البلدان والأقطار، فإنه في الوقت ذاته يتكلم إليك أنت وحدك، فأصواته موجهة إليك، تتسلل إلى رأسك عبر أذنيك لتظل بداخلك فيكون تأثيرها أكبر فهو أداة شخصية، أما التلفزيون فوسيلة جماعية، إذ عادة ما يشاهده الناس جماعات. يتميز الراديو بالسرعة في نقل الحدث المباشر، فالإذاعي لا يحتاج فيه إلا إلى جهاز تسجيل وميكروفون. وليس أمام الراديو حدود، فإشاراته تبلغ الجبال، المحيطات، الريف والحضر، وهو لذلك وسيلة مهمة للتقارب بين الثقافات. ويستطيع مستمعو الراديو الاستماع إليه وهم منهمكون في أداء عمل آخر، على نقيض التلفزيون والصحف. ويتميز الراديو بميزة أخرى هي أن عدته الوحيدة في التواصل هي الصوت البشري بما يحمله من لكنة مميزة لكل مذيع، وما فيه من دفء، عاطفة، غضب، ألم، وضحك أحيانا، وما يطرأ عليه من تردد، توقف وبطء أو إسراع، وعلو أو انخفاض في الصوت. والراديو وسيط إعلامي يمد متلقيه بالمعلومات، ووسيلة تعليم، وتسلية. وهو يستخدم في الحروب، وحالات الكوارث، وفي السجون، لتبادل المعلومات، وإبلاغ البيانات، والترفيه والتسلية. للإشارة فإن من بين الأهداف التي وضعتها منظمة اليونسكو لليوم العالمي للراديو، عندما استنته في عام 2013 تحسين سبل التعاون بين الإذاعيين والعاملين في الراديو في العالم، وتعزيز وسائل نقل المعلومات، وتشجيع حرية التعبير... غير أنها اختارت لهذا العام 2014 قضية المساواة بين الجنسين عبر موجات الأثير، وتمكين المرأة. فعلى الرغم من بلوغ الراديو إلى ملايين الأفراد في أنحاء العالم، فإن الشوط أمامه لايزال طويلا لتحقيق المساواة بين العاملين فيه من الجنسين... إذ لا تحظى الصحفيات في الراديو - كما تقول رسالة اليونسكو - إلا بوقت قليل من أوقات البث، مقارنة بالصحفيين الرجال، كما أنهن لا يبلغن المناصب التنفيذية التي يهيمن عليها الرجال.