الانحلال الخلقي.. ضعف الوازع الديني.. وتفشي العديد من الظواهر الاجتماعية، على غرار تعاطي المخدرات وتناول الأقراص المهلوسة، كلها أسباب جعلت قضايا الاعتداء على الأولياء تتفاقم بالمحاكم، رغم أن القانون صارم عندما يتعلق الأمر بالاعتداء على الأصول حتى الدرجة الرابعة، إلا أن هذا لم يحد من الظاهرة، الأمر الذي دفع بعض المحامين إلى رفض الترافع في مثل هذه القضايا في حق المعتدي، بالنظر إلى مكانة الأولياء المقدسة. صبت معظم آراء المستجوبين من المحامين حول موضوع الاعتداء على الأصول في التأكيد على أن الظاهرة عرفت في الآونة الأخيرة منحى تصاعديا يدعو إلى دق ناقوس الخطر والتعجيل بالقيام بدراسات لمعرفة الأسباب التي تدفع الأبناء إلى الاعتداء على أوليائهم، بغية إيجاد حلول علاجية للظاهرة، وحول هذا الموضوع تحدثت “المساء” إلى الأستاذ تواتي محام معتمد لدى المجلس، حيث قال: “الاعتداء على الأصول، وتحديدا على الأولياء، أصبح اليوم من الأمور الشائعة، ولا فرق بين الذكور والإناث، إذ أصبح الاعتداء يقع من الطرفين، ولا ينحصر الأمر على فئة عمرية معينة، إنما في بعض القضايا نجد أن المعتدين متقدمون في السن، ولعل خير مثال على ذلك يضيف: “ما شهدته المحكمة مؤخرا، حيث عرضت قضية بنت تبلغ من العمر 40 سنة اعتدت على والدتها بالضرب بعدما أمسكتها من شعرها إثر خلاف قام بينهما، وحاولت إلقاءها من الدرج لولا تدخل الزوج ، والغريب في الأمر أن البنت رفضت أثناء جلسة المحكمة المصالحة مع أهلها معترفة بما ارتكبته، كأنها تفتخر بذلك، وهذا، يعلق محدثنا، يعكس مدى ضعف الوازع الديني في مجتمعنا. يعتبر القانون فيما يتعلق بالاعتداء على الأصول صارما، حيث يفرض عقوبات مشددة ولا مجال للتخفيف فيها درءا للمفاسد لإعطاء العبرة، حسب الأستاذ تواتي الذي يرى أن التوجه اليوم في معاقبة المعتدين على أوليائهم ينبغي ألا يبقى منحصرا في العقوبة فقط، بل يتم بحث الأسباب التي دفعت بالأبناء إلى الاعتداء على ذويهم ومحاولة الإصلاح بينهم من خلال تفعيل دور المرافق النفساني بالمؤسسات العقابية، خاصة إذا علمنا أن بعض الأبناء يعتدون على ذويهم انطلاقا من كونهم يعانون من بعض المشاكل الاجتماعية الخانقة أو بسبب تعاطيهم بعض المواد المخدرة أو الأقراص المهلوسة. ودفع تفاقم قضايا الاعتداء على الأولياء ببعض المحامين إلى رفض الترافع لفائدة المعتدي، انطلاقا من أن مكانة الأولياء مقدسة، وهو ما حدثنا به الأستاذ محمد محام معتمد بالمحكمة العليا الذي قال بأنه يعتبر قضايا الاعتداء على الأولياء حساسة يأبى المرافعة فيها، ويميل إلى محاولة إصلاح ذات البين بتوجيه المعتدي وتوعيته إلى خطورة الفعل الذي ارتكبه. بينما تساءل محام آخر حول ظاهرة الاعتداء على الأصول قائلا: “كيف لي أن أدافع عن شخص يقصدني قائلا بأنه ضرب والده أو والدته بالعصا، فقط لأنها رفضت أن تقدم له المال، هذا دون الحديث عن الحالات التي يتسبب فيها الأبناء في إلحاق الأذى بالأولياء كالجرح أو حتى القتل، مضيفا “أنه يرفض رفضا قاطعا الدفاع عن هذه الفئة مهما كانت أسباب الاعتداء، يكفي فقط الرجوع إلى قوله تعالى: “ولا تقل لهما أف” فإن كانت هذه العبارة محرمة فكيف بالاعتداء؟ في المقابل، طالب محدثنا بضرورة تشديد العقوبات عندما يتعلق الأمر بالاعتداء على الوالدين تحديدا. من جهتها، تدعو الأستاذة سمية، أمام انتشار ظاهرة الاعتداء على الأولياء، إلى عدم الاكتفاء بالعقوبة الجسدية، إنما ينبغي، تقول: “التعامل بطريقة مختلفة مع المعتدين الذين غالبا ما يدفعهم تعاطي المخدرات أو الأقراص المهلوسة إلى القيام بتصرفات يندمون عليها بعد زوال تأثير المخدر، وحسب محدثتنا، فإن الحل من أجل الحد من الظاهرة يتمثل في تفعيل دور مراكز العلاج على الإدمان وتوجيه العقوبات في هذا الإطار لإصلاح الشباب، خاصة أن معظم حالات الاعتداء كانت أسبابها راجعة إلى الإدمان بالدرجة الأولى بحثا عن المال. وحصر الأستاذ يونسي، محام معتمد لدى المجلس، الأسباب التي تدفع بالأبناء إلى الاعتداء على ذويهم في ضعف الوازع الديني وتدني المستوى الأخلاقي، وإلا كيف نفسر إقبال شاب على الاعتداء على والده إلى درجة القتل في واحدة من القضايا التي شهدتها جنايات العاصمة وكانت الأسباب جد واهية.
الاعتداء على الأولياء تحت تأثير المخدر يشدد العقوبة يرى الإمام موسى زروق أن المولى عز وجل أوجب على البشر العناية بالوالدين، حيث قرن حقه بحقهما في غير موضع بكتابه العزيز، ففي سورة “النساء” التي يسميها العلماء بآية الحقوق العشرة جاء فيها: “واعبدوا الله ولا تشركوا به أحدا وبالوالدين إحسانا” وهنا قرن حقه بحق الوالدين لمكانتهما المقدسة، بالتالي فالأولياء بحاجة إلى الرعاية والاحترام مصداقا لقوله تعالى: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما”، نهى المولى عز وجل عن قول” أف” للأولياء، والنهي حسب الإمام موسى يقصد به التحريم، كما يقول علماء أصول الفقه، فالتحريم من التأفف معناه أن ما أكثر ذلك أشد تحريما، كالشتم والضرب، والعلة في تحريم قول “أف” هو تجنب الإيذاء، غير أن ما يحدث اليوم للأسف تجاوز المعقول، ويعكس بما لا يدع مجالا للشك، مدى الابتعاد عن كتاب الله وسنة نبيه. وفي رده على سؤالنا حول دفع البعض من المعتدين إلى القول بأنهم كانوا في غير وعيهم نتيجة تعاطيهم لمخدرات أو استهلاك الكحول، أكد محدثنا: “أن الدفع بالقول بأن الأبناء الذين يعتدون على ذويهم يكونون في غير وعيهم فهم آثمون مرتين، لأنهم من جهة أقبلوا على تناول مواد أذهبت عقولهم وهي التي دفعتهم إلى التصرف بشكل غير مسؤول، وعليه من يفقد عقله بإرادته مسؤول عن تصرفاته، ولا يمنعه ذلك من العقاب، بل يعتبر من الأسباب المشددة للعقوبة”.