تميزت الاحتفالات بمنطقة الأوراس بعيد الربيع المعروف ب”ثافسوث”، بإقامة مهرجان ثقافي تم خلاله عرض نشاطات متنوعة تقوم أساسا على إبراز عادات وتقاليد سكان الأوراس، وأشرفت على إحيائه جمعية ”ثافسوث” ببلدية منعة الواقعة على بعد 85 كلم عن مدينة باتنة. ميزت هذه التظاهرة الرقصات الفلكلورية والألعاب الشعبية العريقة المتوارثة بالجهة، إضافة لما تضمنه البرنامج من تقديم عروض مسرحية للأطفال ونشاطات ثقافية مميزة بالمناسبة، جلبت إليها جمعا غفيرا من قاطني المنطقة ومدعوين من مناطق عدة من الوطن، وتميز اليوم الأول من التظاهرة بتقديم محاضرات ألقاها دكاترة مختصون على غرار لونيسي سليم وغيلاس وبن غلة، تناولت تدريس الأمازيغية بين الأمس واليوم، وعراقيل تدريس اللغة الأمازيغية والمشاكل التي تصادفها في المدارس والمؤسسات التربوية، إضافة لمحاضرة حول ”قراءة أشكال زخرفة الفضة في منطقة الأوراس” ومحاضرة أخرى تبرز تقاليد ثافسوث عند نساء الأوراس، كما شهدت من جهتها دار الشباب لمنعة عروضا مسرحية وأمسيات شعرية وأدبية باللغة الأمازيغية، وأقيمت على هامش التظاهرة معارض فنية وتقليدية مفتوحة على الجمهور، زيادة على معارض كتب تهتم بالثقافة واللغة الأمازيغية. وما يعرف عن هذه التظاهرة السنوية التي دأبت على تنظيمها الجمعية منذ سنة 2011، أن العائلات تقوم بتحضير مستلزمات المناسبة والمتمثلة في إعداد العصي المصنوعة من شجرة البلوط والتي تستخدم للتحكم في الكرة المصنوعة من ظفائر الحلفاء، وكل ذلك من أجل المشاركة في المهرجان الرياضي الذي يتم بالحقول والتجمعات السكنية، والذي يعرف مشاركة كبيرة للنساء، ويطلق على هذه اللعبة اسم ”ثاكورث” وتردد عند لعبها عبارات خاصة بها، إلى جانب هذا، تلجأ بعض النسوة إلى الغابة من أجل اقتلاع فسائل العرعار ليتم طحنه، وهي العملية التي تتم في جو يسوده الغناء والزغاريد وكلها تدخل في إطار إحياء التراث الأوراسي. وتوّج النشاط بتنظيم رحلة ميدانية برمجتها جمعية ”ثافسوث” للمعالم السياحية والتاريخية التي تزخر بها منعة مرفقة بأطباق فنية تقليدية من عمق تراث الأوراس، على غرار زاوية الشيخ بن عباس في الدشرة القديمة، وهي الزاوية المنتمية للطريقة القادرية التي تأسست منذ أزيد من ثمانية قرون، حسب المشرفين عليها من عائلات تنحدر من سلالة الشيخ بن عباس الذي استقر بمنعة، وحسب شيوخ المنطقة، فإن الزاوية لا تزال منارة لتحفيظ القرآن، إضافة لزاوية سيدي موسى التي شيّدت أول مسجد بالقرية يعود تاريخه لأزيد من 07 قرون. كما برمجت زيارة ل”وتاسريفت” وهي طبيعة عذراء ساحرة بجمالها الأخّاذ فهي تتشكل من جبال صخرية متقاطعة لونها يميل للأرجواني وتعبر هذه الأخاديد مياه وادي منعة التي تنبع من الأرض وتمر أيضا بشلال طبيعي وسط الوادي وعلى الأطراف سواق تمتد للبساتين المترامية على ضفاف الوادي والتي تثمر كل الخيرات. المنطقة توجد بها مقصورة أولاد بن عباس (دار الشيخ) التي يتواجد بها 10 أضرحة لأئمة من سلالة أولاد عباس هم من الأولياء الصالحين، إضافة لضريحين بالمقصورة لابني أحمد باي قائد المقاومة الشعبية في الشرق الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، وحسب مرجع تاريخي موثق معلق في لوحة بالمقصورة فإن ابني أحمد باي هما محمد وشريف البالغين من العمر 05 و13 سنة توفيا بسبب مرض وكان والدهما أحمد باي قد لجأ إلى منطقة منعة بالأوراس للاحتماء والتحصن رفقة 500 فارس بعد سقوط قسنطينة ومكث مع عائلته بالمنطقة سنة 1860م. على العموم، فإن الهدف من هذا المهرجان هو توديع فصل الشتاء القاسي، إلى جانب استغلال دقيق العرعار لدبغ الجلود التي تستعمل لصناعة القربة والمزود، وأوضح رئيس الجمعية موسى قالة أن التظاهرة تهدف إلى إعادة الاعتبار لجزء كبير من التراث الأمازيغي غير المادي وإبراز غنى وثراء هذا التراث والعمل على إعطاء هذا الحدث بعدا وطنيا. للإشارة، فقد ساد الاعتقاد بمنطقة الأوراس، أن إحياء عيد ”ثافسوث” يزيد قوة ومناعة لمجابهة ظروف الحياة الصعبة.