في أحد الأيام من تسعينيات القرن الماضي كنا ثلة من الصحافيين بدار الصحافة “الطاهر جاووت” نتبادل أطراف الحديث حول قضايا الساعة في ذلك الوقت، وإذا بأحد الصحافيين يطل علينا ليخبرنا بأن إحدى الجرائد الموقوفة ستعود للصدور غدا. فرد أحد الصحفيين وهو من مؤسسي جريدة هي اليوم من أكبر الجرائد قائلا: “تهردت”، وكان هذا الرد عفويا وسريعا لأن هذه الجريدة كانت منافسا قويا على الساحة الإعلامية الوطنية، وهذا ليس غريبا، لأن السياسة السائدة في ذلك الوقت، ليست كما هي اليوم، تقديم الدعم المالي والخبرة لإنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة برعاية من الدولة لتقف كل مؤسسة على رجليها، ومن ثمة يترك المجال لنظرية البقاء للأصلح لتفعل مفعولها. لقد طبقت سياسة الخصخصة بشكل عنيف ومتوحش وغير مدروس، مما أدى إلى تحطيم مؤسسات القطاع العام الناجحة التي كانت تشغل آلاف العمال، من أجل خلق مؤسسات خاصة طفيلية معظمها الآن يعيش على الاستيراد. هذه السياسة نتج عنها فكر تنافسي عقيم وإقصائي يسعى إلى الربح السريع بأي شكل من الأشكال ولا يترك المجال للإبداع وطرح الأفكار المبتكرة التي تساعد في الترويج وكسب زبائن جدد، كما هو سائد اليوم على مستوى متعاملي الهاتف النقال الثلاثة. هذا الفكر العقيم الذي يعتمد على إقصاء المنافس الجيد والقوي وتحييده، لينتعش الردئ وليت الانتعاش يجعله يحسن من منتوجه عشش أيضا في عقول الكثير من الساسة والمفكرين والإعلاميين، ونحن ندرك أن كل فكر يهدف إلى تحقيق مصالح معينة، وإذا كانت مصالح الأفراد والجماعات مقدسة فإن مصلحة الوطن كانت عند آبائنا وأجدادنا أكثر قداسة، لأنهم قدموا الغالي والنفيس فداء للوطن. والمسؤولية الملقاة على عاتق شباب اليوم جسيمة، لأنها مستمدة من قداسة هذا الوطن، ثم من قداسة الدماء التي ارتوت بها هذه الأرض الطيبة، لتنعم الأجيال بالحرية ولتكون السيادة للشعب، مصدر كل السلطات وصاحب الكلمة العليا، وشعبنا عودنا في كل المناسبات الحاسمة والمصيرية أن يقف إلى جانب ما تقتضيه مصلحة الوطن، ويجعل ثقته في هو أجدى وأقدر على قيادة السفينة من منطقة العواصف إلى بر الآمان.