يحتضن معهد ”سرفانتس” بالعاصمة إلى غاية 7 مارس الجاري، فعاليات معرض جماعي بعنوان ”ربيعية وأنثوية”، يعكس مواهب وإبداعات الكبار والصغار على حدّ سواء، تأثّرت كلّها بالثقافة والتراث الإسباني العريق مع حضور متنوّع لمختلف الأساليب الفنية التي ملأت قاعة العرض بالطابق العلوي للمعهد. ينظّم المعرض بمبادرة من ورشات ”آر لاندز” والتعاون مع معهد ”سرفانتس”، حيث تتجلى فيه ثلاثة أساليب فنية هي؛ الرسم، الرسم الزيتي وأسلوب الترقيع والتلصيق، كل تلك الأعمال جسّدتها المواهب الصغيرة والكبيرة، كلّ حسب تعبيره وطريقته التي يفضّلها، علما أنّ كلّ هؤلاء المشاركين هم أعضاء في هذه الورشات، تكوّنوا فيها واكتسبوا من خلالها مهارات فنية بفضل المؤطرين المختصين. للإشارة، ”آرلاندز” فضاء مهدى للأطفال والكبار، يسمح باكتشاف المواهب الفنية وتأطيرها والتشجيع على إيقاظ التخيّل داخل ورشات إبداعية تضمن توفير أجواء المرح واللعب بالأشياء وفق ما تمليه التصوّرات والقدرات الفردية، ومن جهة أخرى، هذا الفضاء كاف وشامل يقدّم كلّ الوسائل والاختصاصات الفنية الممكنة في أجواء دافئة على مدار السنة، إذ يقترح في كلّ مرة على مشتركيه ورشات جديدة للإبداع.تسمح هذه الورشات المستقبلة لمختلف المواهب من كلّ الأعمار، من اكتشاف تقنيات فنية متنوّعة قادرة بشكل مرح على تحرير المواهب الدفينة مثل الرسم، الرسم التشكيلي، تقنية التصميم والخياطة الفنية (بأشكال ورسومات) وغيرها من الفنون.وتسود هذه الورشات المتعة والمرح بعيدا عن التلقين الجاف، مما يسمح باكتشاف الوسائل، المواد، التقنيات ومختلف الدعائم المقترحة والمتوفرة، مع إعطاء فسحة للتفكير والإبداع والتعبير عن المتخيّل، عبر مسار مختصر وحر، ومن بين الورشات المقترحة؛ ورشات الرسم، الترقيع، التقطيع، التصميم، الرسم التشكيلي، الاسترجاع، ”البريكولاج”، الخط، التعبير الجسماني والتصميمات الخاصة بالشريط المرسوم سواء في الرسم أو التركيب والإخراج، وهناك الرواية الموسيقية وغيرها من الفنون، يتم استقبال المشاركين من سن الثانية فما فوق، بمقر هذا الفضاء في المرادية. في هذا المعرض، يظهر التنوّع والتباين بين الأعمار، فالطفولة تعرض جنبا إلى جنب مع الكبار وتحاول أن تزاحم بإبداعاتها الملوّنة والبريئة لترسل معاني الحب والبراءة التي لها حيّزا كبيرا من التخيّل والذوق المرهف والجمال والتمكّن من بعض التقنيات البسيطة والمركبة، مع التزام واضح بالألوان الصاخبة والمواضيع المرحة المعبرة عن الانطلاق والحيوية والسعي إلى الحرية أينما وجدت، فهي عند الطفل مثل السنونوة أو الفراشة التي يطاردها في عرض الطبيعة المبسوطة أمامه دون حواجز ووعي لأية مخاطر قد تصادفه. الشيء المشترك بين هؤلاء الفنانين الهواة، صغيرهم وكبيرهم، هو الثقافة الإسبانية الأصيلة بكل ما تحمله من تراث، تاريخ وأسطورة تتناقلها الأجيال ليس فقط في إسبانيا، بل في العديد من بلدان العالم، وتتصدّر المعرض لوحة بتقنية ”التلصيق” تظهر فيها سيدة من الجنوب الإسباني الدافئ وهي تقف في شموخ كأنّها تتحدى العصرنة، لتلوح بمنديلها التقليدي كلّ من يراها أو يقترب منها، كأنّها تحييه من بعيد، ويغلب على اللوحة الأسود واللونان الأصفر والوردي الفاقعين. غير بعيد، تقدّم راقصة تراث الفلامينكو الأصيل المعبّق بالحركات المدوية والورود المرصعة على رأس الراقصة، وبالشموخ الذي هو ركن أساسي في هذا الأداء الفلكلوري الجميل الذي يعكس صورة إسبانيا التاريخ، جسّدت هذه الراقصة بتقنية الرسم على الزجاج من خلال قطع تبدو كالموزاييك، تشبه موزاييك قصور الأندلس، وحضرت راقصة أخرى مرسومة بالخط العربي غاية في الإتقان والتعبير. من رموز التراث الإسباني أيضا نجد الثور، هذا الحيوان الهائج والمقاتل الشرس لفرسان الأندلس يخرج من ألوان الفسيفساء كأنّه يخرج من جدار التاريخ إلى الحاضر، ويتواصل حضور التراث الإسباني منها مثلا لوحة ”على خطى سلفادور دالي” وهي لوحة زيتية تبرز حياة البحارة، إذ عرف الأسبان منذ القرن ال15 باكتشافاتهم الجغرافية عبر البحار وأساطيلهم وبواخرهم التي عبرت المحيطات، إذ في اللوحة تتجسّد أشرعة السفن كأنّها فراشات طائرة وتتجسّد الصخور عيونا تراقب البواخر المسافرة ليلا. كما يتجلى التراث في لوحة ”دون كيشوت دو لا مانشا” وهي من نوع الشريط المرسوم، توحي بكتابات هذه الشخصية الفلسفية التي أقامت بالجزائر قبل الاحتلال الفرنسي، لتصبح ميراثا إنسانيا مشتركا، وهناك لوحات أخرى منها ”على خطى جون ميرو” و"حقل الأقحوان” اللوحة الزيتية التي تصوّر حقول بلاد الأندلس في الربيع وزهور الأقحوان الحمراء تتمايل فيها فرحة بحلول هذا الفصل، هناك مجسّم عبارة عن علبة ضخمة يعكس كلّ وجه منها رسومات ذات دلالات ثقافية إسبانية، منها مثلا الثور، الفلامينكو، دونكيشوت وغيرها. حضرت أيضا أساليب فنية أخرى منها تقنية التركيب، ففي إحدى اللوحات المعروضة ركبت أقراص ”السي دي” بعدما رسمت عليها الأشكال والألوان المتداخلة لتوضع وسط التشكيل التجريدي ذو الألوان الهادئة المتموّجة والممتدة تماما كشكل المجرة، وتظهر لوحات أخرى الطبيعة العذراء والمتوحشة ذات الزهور البرية هادئة الألوان والباسقة تبدو كأنّها باقة واحدة قبالة نسيم عليل ونقي، علما أنّ التركيز في اللوحة كان على الزهور رغم الطبيعة الواسعة الممتدة التي تملأ مساحة الفضاء بالزرقة والاخضرار. تحضر أيضا مدينة الجزائر البيضاء لتعود بتاريخها المشرق وهي تطلّ على البحر المتوسط، تعلوها مئذنة المسجد العتيق ناصع البياض في هذه اللوحة الزيتية ”واجهة الجزائر البحرية” يبدو الأبيض متدرجا ليمتد نوره حتى البحر، كما حضرت أعمال البراعم الصغيرة من خلال العديد من الأعمال، بعضها مرسوم بالألوان الخشبية التي احتوتها أوراق رسم عادية تصوّر أغلبها السفن والبحر والأزهار الباسقة الممتدة نحو أفق السماء، فيما عرضت لوحة أخرى ضخمة أنجزتها مجموعة من الأطفال خلفيتها بيضاء ناصعة، وخلفية نصفها الآخر زرقاء مشعة رسمت عليها أشكال مختلفة، منها عيون وقطع مبعثرة وأطياف مهرجين وسلالم ورموز بألوان حية وجميلة كالأصفر، الأحمر، الأخضر والأرجواني، تبدو هذه الأشكال عبثية لكنها تصوّر خيالا ثريا وحيا.