استضاف لقاء ”موعد مع القافية” بنادي الإعلام الثقافي ب«الأطلس”، مجموعة من الشاعرات اللواتي أنشدن مرحبات بعيدهن العالمي الذي تتفتق فيه الكلمات بالزهر والياسمين، لترمي بعطور المعاني في فضاء يمتد رحيقه إلى عالم أنثوي بألوان قوس قزح. أدارت هذه الجلسة الشعرية الحميمية الأنثوية المبدعة عفاف فنوح، حيث ثمّنتها وثمّنت معها هذه الالتفاتة المتميّزة من الديوان الوطني للثقافة والإعلام الملتزم دوما بجمع الشعراء والجمهور كي يبقى سحر الكلمة قائما ومتناثرا يصل إلى الآخرين، لتؤكّد قائلة؛ ”لولا هذه المواعيد لبقينا نحن الشعراء نقرأ لبعضنا”. استقبلت هذه الأمسية الشعرية الشاعرات راوية يحياوي، منيرة سعدة خلخال ونصيرة مصباح، وحرصن كلهن على أن تكون لغة التخاطب الوحيدة هي القافية باعتبارها سيدة الكلام والمعنى، وأولى القارئات كانت الشاعرة منيرة سعد خلخال التي سبق لها أن أصدرت عدّة دواوين شعرية منها؛ ”للريح قالت الشجرة”، ”أشجان الملح” و«أسماء الحب المستعارة” الذي ترجم إلى اللغة الإنجليزية ولاقى إقبالا واسعا. وحيّت هذه الشاعرة القادمة من عاصمة الجسور المعلقة الجمهور ورفيقاتها المبدعات، ليبرز هدوؤها وحضورها المتميز وهي تقرأ من على المنبر قافيتها المرتبة ترتيبا تماما كما تعوّدت ترتيب فعاليات مهرجان الشعر النسوي بقسنطينة، باعتبارها محافظته، فرفعت منيرة نصا لبلادها البعيدة عنوانه ”غناء”، تقول في بعض مقاطعه: لم يكن ذنبه حينما تساقط جنبه لم يكن ذنبه عندما تناثر حلمه لم يكن ذنبه حين تعثر وجهه لم يكن ذنبه حين تجاصل ذنبه فعبّرت عن غربة الوطن وبعض سيرته التي تجسّدت في حتفه، لتقرأ بعدها قصيدة ”عاليا” التي حملت بعض مشاعر الحنين واللوم. الصوت النسوي الآخر كان جهوريا دوى القاعة، كان لنصيرة مصباح من ولاية سكيكدة التي أنشدت في الشعر الشعبي لتقرأ العديد من القصائد، منها ما لم ينشر بعد كديوانها الذي لا يزال مخطوطا وهو بعنوان ”عتبة الضوء”، فجعلت الجمهور من خلاله يعيش لحظات ممتعة وتقول مطلع إحدى تلك القصائد؛ ”كثر جواباتي في السماء عليت” فترجمت المشاعر الفياضة لامرأة تعاني الغربة، وقصيدة أخرى قرأتها يقول مطلعها؛ ”شرع الله يا فاطمة عطيت البشارة” وكلّها أمل وتفاؤل بالحياة. الدكتورة راوية يحياوي من جامعة تيزي وزو (قسم الآداب) قرأت من ديوانها الذي يحمل عنوان ”ريما”، ومن ديوانها الثاني ”كلك في الوحل”، حيث يتميّز شعرها باللغة القوية، القراءة المدوية والترجمة القوية للمعاني من خلال تقاسيم الوجه ونبرات الصوت والأداء. من جهتها، حضرت الشاعرة المتألقة عفاف فنوح بشعرها وروحها المرحة لتخرج من جعبتها الكثير من القوافي، مستغلة الفرصة التي اعتبرتها ثمينة لتنثر حروفها من على منبر لا يعلى عليه، ومن بين ما قرأت، قصيدة كتبتها في مأدبة غداء، جمعتها ذات يوم مع صديقتها سميرة قبلي التي كانت تكتب روايتها ”خامسة” لتنشد قائلة: ويح الهوى كم جرح كم ذبح كم قام بليل على من سبح وبعدما تداولت الأصوات على المنصة، فتح المجال حرا لكلّ من أرادت أن تقدّم المزيد، فالشعر كان وحده السيد عند تلك الضيفات ”الشواعر”، فاتّفقت الحاضرات وبتحريض قوي ومعلن من عفاف على الحديث عن الحب بكلّ معانيه وتجلياته وأحاسيسه السامية وأمام جمع من الرجال الذين حضروا كرسالة موجّهة لتغليب هذه المشاعر الإنسانية في تعاملاتنا. أولى المتدخلات كانت منيرة التي قرأت للحب معلنة أنّه ”ليس من عرف النهار أن يصمت”، فيما قرأت راوية لزوجها ما طاب لها من القوافي، وقدّمت نصيرة موالا في الحب يحمل الحكمة والشوق والعتاب للحبيب الجافي الذي قد ينسى حبيبه. وقرأت منيرة بصوت يلفه السكون الكآبة ”انصراف” التي تعكس الاشمئزاز من بعض الإفرازات التي يلفظها الواقع الراهن الذي نعيشه، لذلك تنصرف الروح الطيبة إلى الكائنات وإلى الفضاء المطلق، حيث تجد الهدوء والمتعة لتتخلّص من الضوضاء والتلوّث. راوية لجأت إلى الخالق العظيم بقصيدة ”رباه” التي اعتبرتها منتهى الحب ومبتغاه، فلا حب يسمو فوق حب الله الأجل، لتستعرض فضائل هذا الحب ودوره في السمو بالنفس إلى مرتبات علا تطهر الإنسان من دنس الأنانية ومن الخطايا التي تأرق مضجعه، فيما قرأت نصيرة ”حنين” المفعمة بالود والحب والحنين إلى أيام خوال شهدت محاسن القول والعمل. لم تتعب هذه الأصوات من التغريد ومخاطبة الوجدان بكلّ متعة وسرور، تغرف كلّ واحدة ما استطاعت من جميل العبارات وبلاغة العبر، وهكذا كانت ”الضيفات الشواعر” في حضرة مارس لا يعترفن بقيود الحروف، سعدن بالعاصمة التي استمعت لهن قلبا وحسا وباركت فيهن هذا التمكّن والخطاب الذي يعبّر عن بناتها اللواتي لم تركن أيهن للاستسلام واليأس، كيف لا وهي نصف الكائنات وأم الكائنات.