يبدو أن الدبلوماسية المغربية قد فقدت بوصلتها لدرجة أنها تريد أن تنقلب على ما هو متعارف عليه دوليا، بخصوص قضية الصحراء الغربية، حيث اجتهد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى مكتب الأممالمتحدة بجنيف، عمر هلال، في تحريف ما تضمنته مواثيق منظمة الأممالمتحدة التي تقر بأن الجزائر دولة ملاحظة في نزاع الصحراء الغربية، في حين وصف “هلال” هذه الحقيقة ب«أكذوبة القرن”. وجاءت هلوسة “هلال” في إطار رده على مداخلة سفير الجزائر، خلال جلسة نقاش عام بالمجلس، عندما أشار إلى أن الجزائر ليست إلا ملاحظا في نزاع الصحراء، متهما المغرب بالمس بشكل يومي بحقوق الإنسان في المناطق الصحراوية. وراح “هلال” يعيد الأطروحات المغربية القديمة التي تتهم الجزائر بضلوعها في هذه القضية، موهما بأن وضع حقوق الإنسان في بلاده والمناطق الصحراوية جيدة، بل تجرأ حتى في نبش الوضع الداخلي للجزائر، من خلال استغلال الأحداث التي عاشتها ولاية غرداية مؤخرا، في سياق حديثه عن القضية الصحراوية، رغم أنه لا يمكن وضع مقارنة بين أحداث عابرة سبق أن شهدتها بعض مناطق البلاد والقضية الصحراوية المصنفة أمميا ضمن قضايا تصفية الاستعمار. ولا نعلم من أين استلهم “هلال” الذي أطل علينا بأكذوبة أكبر من “الأكذوبة” التي يحاول ترويجها وينكر من خلالها الدور الذي منحته الهيئة الأممية للجزائر كدولة ملاحظة، على غرار موريتانيا في القضية الصحراوية، وفق اتفاق وقف إطلاق النار المبرم سنة 1991، ولا يمكن تبريرها سوى بأنها تعكس جهل الدبلوماسي المغربي لمواثيق الهيئة الأممية أو محاولة استغباء المشاركين، لاسيما وأن كلامه صدر من منبر تابع لهذه المنظمة. ولا ندري أيضا من أين أتى السفير بالكلام المغربي الجميل عن الأوضاع التي تعيشها المناطق الصحراوية، التي قال عنها بأنها تعيش بسلام وساكنتها تباشر بكل أريحية أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، كما انه وقع في تناقض كبير مع موقف بلاده عندما أشار إلى أن الصحراء الغربية مفتوحة أمام الزوار الأجانب والحكومات والبرلمانات والمنظمات غير الحكومية والصحفيين، في حين نتذكر كيف أن الرباط انتفضت بمجرد دعوة الجزائر منظمة الأممالمتحدة لإرسال لجنة لتقصي وضع حقوق الإنسان في المناطق الصحراوية في الرسالة التي بعث بها رئيس الجمهورية إلى المؤتمر الدولي لمساندة الشعب الصحراوي بأبوجا النيجيرية. كما نتذكر جيدا إفرازات هذه الدعوة التي وصلت إلى حد الدوس على الأعراف الدولية مرة أخرى، من خلال الاعتداء على القنصلية الجزائرية وتدنيس العلم الوطني عشية الاحتفال بذكرى اندلاع الثورة التحريرية المظفرة في الفاتح من نوفمبر، لنسأل السفير المغربي في هذا الصدد أين حقوق الإنسان التي يتحدث عنها، وأين احترام المغرب للبعثات الدولية وكيف له أن يستغل قضايا أطفال قصر لتوظيفها في مآرب سياسية كما كان الحال مع قضية الرياضي إسلام خوالد الذي حكم عليه بالسجن قرابة السنة، في حين تم العفو عن مساجين أجانب اقترفوا أبشع الجرائم؟! وإذا كان السفير المغربي يعتبر أن تصنيف الجزائر كدولة ملاحظة في النزاع الصحراوي “أكذوبة القرن” فإن ذلك يشكل في الوقت ذاته طعنا في مصداقية منظمة الأممالمتحدة والدول التي تساند القضية الصحراوية، بل أكثر من ذلك التبرأ من الجهود الأممية التي تسعى إلى إيجاد حل للقضية، مما يجعلنا نتساءل عن نوايا المخزن الذي عودنا في كل مرة التملص من التزاماته بخصوص هذا النزاع، غير أن الجرأة قد وصلت هذه المرة إلى أدنى المستويات من خلال إطلاق مثل هذه التصريحات الارتجالية، انطلاقا من منبر أممي يعنى بحقوق الإنسان، مما يؤكد مجددا تهور الدبلوماسية المغربية.