أسدل الستار أمس، بقصر الثقافة "مفدي زكرياء" عن فعاليات الأيام السينمائية الجزائرية-الفرنسية، التي فتحت النقاش بين محترفي الفن السابع حول الاتفاقية المبرمة مؤخرا بين البلدين والمتضمّنة الإنتاج المشترك والتعاون السينماتوغرافي. وقد شهد اليوم الختامي تقديم حوصلة لمجمل أشغال الورشات التي نظّمت في إطار التظاهرة ومسّت أربع مجالات أساسية هي الإنتاج، التوزيع، التكوين والحفاظ وتثمين واستغلال التراث الفيلمي، وفي هذا الإطار أشار احمد بجاوي، الذي تولى قراءة النتائج أنّ أشغال ورشة الإنتاج أسفرت عن مجموعة من المطالب من الجانب الجزائري تعلّقت أساسا بإشكالية اللغة التي سينجز بها العمل، وكذا ضرورة إتباع الاتفاقية باتفاقيات مماثلة في نفس المجال يتم خلالها إشراك مختلف الأطراف الفاعلة في المجال السينمائي من البلدين، إلى جانب المطالبة بإنشاء صندوق دعم مشترك بين البلدين يلجأ إليه المخرجون لتمويل أعمالهم، كما دعا الطرف الجزائري -يقول بجاوي- إلى ضرورة الإسراع في جعل الاتفاقية قيد التنفيذ على أن يجتمع المختصون كلّ سنة عوض السنتين لتقييم تطوّر أشغال الاتفاقية. أمّا ورشة الأرشيف يضيف بجاوي والتي ناقشت إمكانية التعاون بين البلدين في مجال الحفاظ على الأرشيف وتثمينه، فقد سعت أوّلا إلى معاينة الأماكن التي سيجمع فيها هذا الأرشيف بكلّ من المكتبة الوطنية "فرانز فانون" و قاعة "ديبوسي" من قبل مدير الأرشيف بالمركز السينمائي الفرنسي، الذي أكّد ملائمة هذه الفضاءات للأرشيف الفيلمي وتوفّرها على الشروط الأساسية. وأشار إلى أنّ هذا الأخير أعطى موافقته لإرسال فريق من الخبراء تتولى رفقة الجزائريين فحص الأفلام قبل نقلها إلى مقراتها الجديدة وكذا تدعيم الجزائر ببرنامج حفاظ متطوّر، لكنّه بالمقابل -يضيف بجاوي- ربط أيّ تعاون بين البلدين في مجال ترميم الأفلام بوجوب القيام بعملية جرد مفصّل لكلّ الأرشيف الموجود وبطريقة إلكترونية، ووضع قائمة أوّلية للأفلام التي تتطلّب تدخّلا مستعجلا، كما ناقشت الورشة أيضا إمكانية إعادة انضمام الجزائر إلى المنظمة الدولية للأرشيف الفيلمي (فياف). ثالث ورشة توقّف عندها المستشار بوزارة الثقافة تناولت إشكالية التوزيع والنشر بمختلف أشكاله وطرقه، وقد أثيرت في هذا المجال العديد من النقاط أهمّها القاعات وطرق استغلالها وتسييرها وكذا رقمنة تجهيزاتها إلى جانب قرصنة الأفلام التي تمثّل مشكلا حقيقيا، وفي هذا الإطار أشار بجاوي إلى أنّ الجزائر قطعت أشواطا مهمة في هذا المجال حيث قامت بتكوين 14 فرقة مختصة في مكافحة القرصنة تنتظر وضع إطار قانوني يمكنها من العمل، إلى جانب الدعوة إلى ضرورة دعم الاستثمار في هذا المجال من خلال تخفيف الضرائب ومنح القروض إضافة إلى تفعيل عجلة الإشهار وتنظيم مجال حقوق التأليف. آخر وأهم ورشة فتحت هي ورشة التكوين التي ناقشت إمكانية التعاون بين البلدين في هذا المجال والتي بدأت فعلا من خلال تولي تكوين بعض الفرق المختصة لاسيما في المجال الإذاعي والتلفزيوني من طرف المعهد الفرنسي الوطني للأرشيف "إينا". وكرد على كل ما قيل، أوضح مدير العلاقات الأوربية والأجنبية بالمركز السينمائي الفرنسي رولند هوسن، أنّ الاتفاقية المبرمة بين البلدين تضمّ جانبين، أوّل جانب يتمثّل في الإنتاج المشترك وهو يتشابه مع الاتفاقيات التي تجمع فرنسا مع مختلف الدول، وثاني جانب هو التعاون وهو ما يميّز هذه الاتفاقية مع الجزائر -يقول المتحدث- إذ يمسّ مختلف المجالات كالتكوين وحفظ الأرشيف ومعاينة القاعات. موضحا في سياق متصل أنّه يعتبر النقاش حول اللغة نقاشا عديم الفائدة باعتبار وجود أفلام تمّ إنتاجها بدعم من مؤسسات فرنسية ناطقة كليا بالدارجة الجزائرية على غرار فيلم "مسخرة "، مضيفا بالمقابل أنّ المطالبة بإنشاء صندوق دعم مشترك "ضرب من الحلم" لأنّ فرنسا لا تمنح أموالا إلاّ في إطارين محدّدين هما صندوق دعم الفرانكفونية والاتحاد الأوروبي، ومثل هذه الصناديق لا علاقة للمركز السينمائي الفرنسي بها، داعيا إلى ضرورة وضع أماني ممكنة التحقيق من شأنها تفعيل التعاون بين البلدين في هذا المجال. يذكر أنّ الأيام السينمائية الجزائرية تم افتتاحها صباح يوم الخميس، من طرف رئيسة المركز السينمائي الفرنسي فيرونيك كايلا، التي أشارت في كلمة ألقتها بالمناسبة أنّ الاتفاقية المبرمة بين البلدين ستسمح ببعث علاقات جديدة مع الجزائر التي تجمعها مع فرنسا علاقات خاصة ومتميّزة، إلى جانب إثراء التنوّع الثقافي للمركز الذي يسعى للجمع بين مختلف المشارب الثقافية مع المحافظة على التميّز الثقافي الخاص بكلّ بلد، مشيرة إلى أنّ فرنسا هي من بين أكثر البلدان التي حاربت من أجل خصوصيتها الثقافية في ظلّ العولمة التي تسعى إلى تحويل كلّ شيء إلى سلعة تباع وتشترى. أمّا الأمين العام لوزارة الثقافة السيدة إسماعيل أولبصير، أكّد من جهته أنّ توقيع الاتفاقية جاء في وقته المناسب حيث تعمل الجزائر على إعادة بناء أرضيتها السينمائية، وأضاف أنّ قطاع الفن السابع بدأ ينتعش منذ عام 2000، وذلك بعد سنوات من الجمود، لكن الجزائر اليوم -يقول أولبصير- واعية بإلزامية السرعة للنهوض بالقطاع وذلك من خلال التركيز على خمس نقاط أساسية، تتعلّق الأولى بتعديل المنظومة القانونية مع مراعاة إبقاء دعم الدولة للقطاع عبر الإنتاج والتكوين. وترتكز الثانية على استرجاع 300 قاعة سينمائية مغلقة تابعة للبلديات، وهي النقطة التي تطرح عددا من المشاكل أهمّها تمويل الترميم والتجهيز سواء بتقنية 35 ملم التي تتطلّب وقتا طويلا أوالتجهيز الرقمي في الوقت الذي لا تنجز فيه أفلام بهذه التقنية، ليتوقّف أولبصير عند مشكل آخر في هذه النقطة وهو تسيير قاعات السينما من قبل شباب مؤهّل لذلك وفق دفتر شروط. التمويل هي النقطة الثالثة التي عدّدها الأمين العام لوزارة الثقافة، إذ يجب إيجاد سبل أخرى للتمويل عدا صندوق الدعم "فداتيك"، وتمحورت النقطة الرابعة حول التراث الفيلمي الجزائري وطرق الحفاظ عليه وتثمينه وكذا استغلاله وقبل ذلك استرجاعه من مختلف الدول الأوروبية لكن هذا يتطلّب تجهيز المكان الملائم للحفظ، ليشير أولبصير -خامسا- إلى مساعي الجزائر في إنشاء "بلوكوس" بالاستعانة بالخبرتين الفرنسية والإيطالية. المخرج لمين مرباح رئيس لجنة السينما على مستوى وزارة الثقافة، استعرض خلال الأيام هذه واقع السينما الجزائرية منذ نشأتها في حضن الثورة المسلّحة مرورا بعصرها الذهبي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وصولا إلى أزمة منتصف الثمانينيات التي امتدّت إلى مطلع الألفية. لتشير المستشارة القانونية لوزارة الثقافة السيد وردة مرباح إلى أنّ الإنتاج المشترك بين الجزائروفرنسا كان موجودا لكن دون إطار قانوني ينظّمه، والاتفاقية المبرمة مؤخّرا ستسمح بتنظيم العملية وتمنح الجنسية الأوروبية للأعمال المنتجة في إطارها مما يفتح لها باب التسويق في كامل التراب الأوروبي، واستعرضت بالمقابل مديرة الآداب والفنون بوزارة الثقافة السيدة زهية بن شيخ الإنتاج الجزائري المشترك موضّحة أنّ الجزائر خاضت التجربة في 110 أفلام، 60 في المائة منها مع فرنسا. وتطرّق مدير الشؤون الأوروبية والدولية بالمركز السينمائي الفرنسي السيد رولاند أوسن إلى مختلف عمليات الدعم التي يقدّمها المركز، مشيرا إلى أنّه قام بدعم مائتي فيلم خلال عام 2007، 95 بالمائة منها تمّ إنتاجها، مضيفا أنّ المركز الفرنسي لديه اتفاقيات مشابهة مع أكثر من خمسين دولة. النقاش الذي تبع المداخلات جمع عددا من المحترفين الجزائريين والفرنسيين لاسيما المخرج بلقاسم حجاج ممثلا لجمعية المنتجين الجزائريين، بوعلام عيساوي عن جمعية المخرجين الجزائريين والمخرجة الجزائرية باية الهاشمي ممثلة لجمعية "نوبة" للمخرجات الجزائريات، ذلك إلى جانب المنتج الفرنسي فريديريك بريلون، إيزابيل مادلان منتجة فيلم "مسخرة" وأيضا برونو بيزيري. وشكّلت اللغة المحور الأساسي الذي دار حوله النقاش، بحيث استفسر الطرف الجزائري عن سبب عدم تحديد اللغة التي يجب اعتمادها في الأفلام المنتجة ضمن هذه الاتفاقية، إلى جانب نسبة المشاركة الجزائرية التي قدّرت ب 20 بالمائة، كما اقترح الحضور بإنشاء صندوق دعم مشترك في إطار الاتفاقية يلجأ إليه المخرج كما هو الحال في الاتفاقية التي أبرمتها فرنسا مع ألمانيا. وقد استقطبت الأيام التي امتدت من 4 إلى 6 ديسمبر الجاري اهتمام العديد من محترفي الفن السابع في الجزائر على غرار محمد لخضر حمينة، رشيد بلحاج، محمد زموري، فاروق بلوفة، نادية شرابي، دحمان اوزيد، يزيد خوجة، رشيد بن علال وغيرهم.