“الحايك” جزء من تاريخنا وقعداتنا التقليدية أعادت إليه الحياة أولت “جمعية الحضرية” اهتماما كبيرا لكل ما هو فني تقليدي وتبنت هدفا واحدا، هو الحفاظ على الموروث الثقافي كاللباس التقليدي الذي يسير في طريق الاندثار، ومن أهم الأنشطة التي بادرت بها الجمعية؛ تنظيم قعدات لإعادة إحياء “الحايك” الذي لطالما ميز المرأة العاصمية وأبرز جمالها وأصالتها. وحول قيمته التاريخية وسر اهتمام الجمعية به، تحدثت “المساء” إلى عبد القادر بن عاشور رئيس جمعية الحضرية في الموضوع.
بداية، ما سر اهتمام “جمعية الحضرية” باللباس التقليدي وتحديدا “الحايك”؟ “جمعية الحضرية” كما يدل عليها اسمها تهتم بكل ما يخص الناس الحضريين الذين عاشوا فيما مضى بالعاصمة، ولأنهم تميزوا بجملة من العادات والتقاليد التي انفردوا بها ومنها اللباس التقليدي، ارتأينا كجمعية استذكار كيف كان يعيش العاصميون من الحضريين في الزمن الجميل، ومن بين الألبسة التي أوليناها اهتماما كبيرا “الحايك” بالنظر إلى تراجعه، لو لا أن الذاكرة اليوم لا تزال تحفظ صورة الأم أو الجدة التي ترتديه عندما تغادر الدويرة، فالحنين إلى كل ما هو لباس تقليدي دفعنا إلى التفكير في إعادة إحيائه والتذكير به.
حدثنا عن بعض الدلالات الاجتماعية التي يرمز إليها “الحايك”؟ أعتقد أن أهم دلالة اجتماعية يرمز إليها “الحايك” أنه كان الوسيلة التي اعتمدها المجاهدون لإخفاء السلاح والرسائل، فلا يخفى عليكم أنه لعب دورا كبيرا إبان الثورة التحريرية وكان بمثابة الرمز، بل يمكننا القول بأنه ساهم بدوره البسيط في إنجاح بعض العمليات الفدائية، بالتالي أعتقد أنه قطعة من التاريخ لا يمكننا تجاهلها.
في رأيك، إلى ماذا يرجع تخلي المرأة عن “الحايك” كلباس أصيل؟ خلال فترة الاستقلال كان ينظر إلى “الحايك” على أنه زي ساهم في غبن المرأة وأخفى الكثير من شخصيتها، كما حال دون إمكانية بروزها على الساحة الاجتماعية والمهنية وحتى السياسية، وبدافع التحرر وباسم العصرنة التي واكبت الاستقلال، تخلت المرأة عنه وبحثت عن زي يظهرها بعد الاستقلال، فانقلب سلبا على أصالتها، الأمر الذي جعل ارتداءه يتراجع وينحصر في النساء المتقدمات في السن من اللواتي رفضن التخلي عنه.
حدثنا عن نشاطاتكم للحفاظ على هذا اللباس التقليدي؟ بدعم من الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وبمساعدة القائمين على المسرح الوطني، تمكنا كجمعية من القيام بثلاثة نشاطات تمحورت حول هذا اللباس الرمز، سعيا إلى تحقيق هدف واحد وهو إعادة بعث التراث، حيث تمثّل النشاط الأول في تنشيط قعدة تعمدنا تخصيصها للحديث عن تاريخ “الحايك”، وكيف ظهر بالمجتمع الجزائري، حيث أوكلنا المهمة إلى أشخاص مختصين تحدثوا أيضا عن أنواعه، لاسيما أن بنات اليوم يفتقرن لأبسط المعلومات حول هذا الزي، ولعل من الحقائق المؤكدة حول لون “الحايك” الأبيض، وأنه يرمز إلى الجزائر البيضاء، وفيه العديد من الأنواع نذكر منها “حايك العروس” أو كما يقال “حايك مراية”، “حايك الخطوط” أو ما يسمى “ريجوليو” وحايك “المرمة”. وحسب المختصين فإن “الحايك” كان عبارة عن جبة، ثم تطور ليتحول إلى “نصف حايك” ليستر الرأس، ومنه تم تطويله ليغطي كل جسم المرأة إلى جانب “العجار” الذي يرافقه. أما بالنسبة للنشاط الثاني فكان عبارة عن قعدة أيضا بالمسرح الوطني، قمنا ببرمجتها بعد الإقبال الكبير الذي عرفته القعدة الأولى، وتبين لي أن الناس الذين حضروا مثل هذه القعدات، أبدو تجاوبا كبيرا وعبروا عن شغفهم إلى كل ما هو تقليدي لأننا بنشاطنا لا نكتفي بمجرد عرض نساء يرتدين “الحايك”، إنما نختار المناسبة، كالمولد النبوي الشريف ومختلف الأعياد الدينية، حيث نحيي القعدة الخاصة بالمناسبة بنفس الطريقة التي كان يتم إحياؤها في الماضي بلباسها وأمثالها وديكورها، ونحمل الجمهور إلى الاعتماد على الصورة وطريقة السرد عن طريق الرجوع بتفكيره إلى الطريقة التي عاش بها أجدادنا وجداتنا في دويرات القصبة العريقة. وأمام الطلب الكبير على مثل هذه القعدات ولد النشاط الثالث الذي زاوجنا فيه بين الفن والتراث، حيث قمنا بتكريم الفنانين الذين ماتوا واغتنمنا الفرصة لإبراز تراثنا من خلال تسطير قعدة عاصمية ميزها “الحايك”، “البدرون” و”الكاراكو” ممزوجا بتقاليد وضع الحنة التي لطالما ميزت أفراحنا.
هل تعتقد أن تنظيم مثل هذه النشاطات من شأنه أن يعيد ل”الحايك” مكانته كلباس تقليدي؟ طبعا، نحن من خلال الجمعية نحاول إنعاش الذاكرة وإعادة إحياء جزء من تاريخنا وأصالتنا، لكن هذا العمل يتطلب دعما من قبل بعض الجهات، مثل وزارة الثقافة. فكجمعية نحاول بإمكانياتنا البسيطة إبقاء تراثنا حاضرا رغم ما نواجهه من مشاكل وصعوبات، أهمها أننا كجمعية فنية وثقافية وتراثية لا نملك مقرا على الأقل لنجتمع فيه ونسطر البرنامج الذي نعمل عليه.
كلمة أخيرة؟ التراث يعكس أصالة وعراقة كل مجتمع، والحفاظ عليه مهمتنا جميعا، بدليل أن كل الأنشطة التي تم تسطيرها عرفت إقبالا كبيرا إلى درجة تعذر على البعض الحصول على مقعد للمشاهدة، ومنه فإن ثقافة الاهتمام بالتراث موجودة يكفي فقط أن نحصل على قليل من الدعم، وبالمناسبة أوجه دعوة إلى كل الجمعيات الثقافية لنعمل بالتنسيق، وأختم حديثي بهذه الكلمات التي أتحدث فيها عن تراثنا الذي يضيع أمام أعيننا ...”حبيت نبكي ما اقدرتش.... شكيت أدموع عيني اخلاصو.... حبيت نضحك أو ماعرفتش..... شكيت احساس قلبي ماتوا ولي احساس قلبوا ماتوا يا ناس كيفاش ايدير مع راصو”.