يتأكد من يوم لآخر أن ادارة الاحتلال لم تكن مقتنعة باتفاق التهدئة مع حركة حماس في قطاع غزة وبدأت في ايجاد مبررات اجهاضها بشتى الطرق والعمليات العسكرية.وبشكل لافت حولت ادارة الاحتلال آلتها الحربية من قطاع غزة باتجاه الضفة الغربية ضمن خطة مقصودة لاستفزاز فصائل المقاومة ودفعها إلى الرد بالمثل ضد عمليات الاغتيال التي طالت منذ اسبوع قيادات عدة اجنحة مسلحة ومدنيين في الضفة الغربية والظهور بعدها ان الهدنة افشلها الفلسطينيون. وتكون ادارة الاحتلال التي وقعت على اتفاق الهدنة في قطاع غزة على مضض عمدت من خلال شن عملياتها على الضفة التنصل من هذه المسؤولية بدعوى ان الطرف الفلسطيني هو الذي اخل بالتعهدات التي التزم بها مؤخرا في القاهرة برعاية مصرية. وتدرك ادارة الاحتلال درجة الاستفزاز التي تحدثها عملياتها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وادراكها المسبق انه لا يعقل لفصائل المقاومة ان تسكت على اعتداءات عسكرية بدعوى ان المستهدفين لا تشملهم الهدنة كونهم من سكان الضفة الغربية. ولأن فصائل المقاومة ادركت اهمية مثل هذا الفراغ فقد اصرت على ضرورة جعل التهدئة تتوسع لتشمل لاحقا الضفة الغربية والتزام اسرائيل باحترام الفلسطينيين سواء كانوا من سكان القطاع او الضفة. ولم يكن من محض الصدفة ان تتهم مصادر الاممالمتحدة الجانب الاسرائيلي بخرق الهدنة لاكثر من عشر مرات وهو مؤشر على النية الاسرائيلية المبيتة لافشال التهدئة وفتح الطريق اما خيار القوة العسكرية الذي ما انفكت تلوح به دارة لاحتلال في سياق سياسة العصا والجزرة التي ترفعها في كل مرة في وجه الفلسطينيين . وكانت عملية اغتيال فلسطيني اخر امس بمدينة الخليل في شمال الضفة الغربية من طرف جنود الاحتلال الا مؤشرا على النية العدائية لادارة الاحتلال وذريعة للتنصل من تدابير الهدنة. ويبدو أن التكهنات المتشائمة التي حكمت مسبقا على الهدنة بالفشل بدات تجد طريقها الى التاكيد بعد ان سارعت ادارة الاحتلال الى اجهاضها منذ الساعات الاولى لتوقيعها. وقد جدد صائب عريقات رئيس دائرة شؤون المفاوضات فى منظمة التحرير الفلسطينية التأكيد على اهمية "تثبيت التهدئة فى قطاع غزة ووقف النشاطات الاستيطانية الاسرائيلية وتنفيذ استحقاقات المرحلة الاولى من خارطة الطريق كشروط مسبقة لانجاح اية مفاوضات قادمة مع ادارة الاحتلال". واكد عريقات في تصريحات ادلى بها امس ان ذلك يشكل نقطة ارتكاز لاعطاء عملية السلام الفرصة التى تستحقها وتعزز من امكانية التوصل الى اتفاق قبل نهاية عام 2008 بين الفلسطينيين والاسرائيليين" . وفي ظل عودة اجواء التوتر الى اراضي الضفة الغربية شرع الرئيس الفلسطيني محمود عباس امس في جولة عربية ودولية تشمل كل من مصر وسوريا واليونان وايطاليا وفرنسا في مسعى لكسب دعم عواصم هذه الدول لدفع ادارة الاحتلال إلى تفعيل عملية السلام المتعثرة. وجاء تحرك الرئيس الفلسطيني بعد ان تنصلت الحكومة الاسرائيلية من مختلف التزاماتها وراحت تضع العراقيل في طريق عملية السلام بخرق تعهداتها ورفضها الالتزام بخطة خارطة الطريق التي حددت معالم عملية السلام وعلى راسها مسالة الحدود الدولية ومستقبل القدس الشريف بالاضافة الى عقبة الاستيطان التي عرقلت ومازالت كل سبيل للتوصل الى اتفاق سلام نهائي. وادركت مجموعة الثماني الكبار المجتمعين بمدينة كيوتو اليابانية اهمية هذه المسألة بالنسبة للفلسطينيين وايضا خطورتها على عملية السلام في شموليتها، الامر الذي دفعها الى مطالبة ادارة الاحتلال بوقف هذه العمليات وكذا احترام الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني للالتزامات التي نصت عليها خطة خارطة الطريق. ويبدو ان الدول الكبرى مازالت تسير عكس التيار بدعوتها الجانب الفلسطيني ايضا الى وقف ما اسماه وزراء خارجية الدول الكبرى بالعمليات العدوانية وعيبها في ذلك انها لا تريد تحديد اسرائيل بصفتها الطرف المعتدي الذي يتعين عليه وقف عدوانه قبل استيطانه. ثم ان الولاياتالمتحدة التي تدعو الى وقف الاستيطان هي نفسها التي وقفت قبل اسبوعين في وجه مشروع لائحة عربية امام مجلس الامن دعت من خلالها ادارة الاحتلال الى وقف الاستيطان. وبررت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس موقف بلادها بدعوى ان مشروع اللائحة العربية ياتي على حساب اسرائيل. وهو تبرير فضح الموقف الامريكي المنحاز الى جانب حكومة الاحتلال وكان على واشنطن بصفتها "الراعي" الرئيسي لعملية السلام في منطقة الشرق الاوسط ان تلتزم الحياد على الاقل بخصوص سياسة الاستيطان ما دامت تؤكد انها ضد بناء مستوطنات جديدة. يذكر ان مجلس الامن الدولي كان من المفترض ان يصدر اول امس لائحة جديدة حول هذه العقبة لكنه تراجع في اخر لحظة بعد ان تحرك الدبلوماسية الامريكية والقت بكل ثقلها مانعة اصدار هذا القرار. واكد وزراء خارجية الدول الكبرى من جهة أخرى في اجتماعهم التمهيدي تحضيرا لقمة الرؤساء يوم غد الاثنين دعمهم للمفاوضات الهادفة لإقامة دولة فلسطينية بحلول نهاية العام الجاري قادرة على العيش في سلام إلى جانب إسرائيل ولكنهم في واقع الحال لا يتحركون بالكيفية اللازمة، تاركين الطريق مفتوحا امام الولاياتالمتحدة واسرائيل لفرض منطقهما المهيمن على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة.