دخل فجر اليوم قرار الهدنة بين حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" وإدارة الاحتلال الاسرائيلي حيز التنفيذ على ان يستمر العمل به طيلة ستة اشهر و ان يكون بإمكان الطرفين تمديده لفترات اخرى متى تأكدت حسن نواياهما في وقف المواجهة المسلحة بينهما. وتعهدت ادارة الاحتلال امس رسميا بقبول ترتيبات هذا القرار الذي رعاه مدير المخابرات المصرية عمر سليمان الذي قام بزيارات متواصلة الى غزة والقدس المحتلة ومن خلال لقاءات متكررة مع مسؤولي الطرفين. وتم التوصل الى هذا القرار بعد مفاوضات عسيرة وضعت اسرائيل كل العقبات في طريقها وحاولت افشالها بكل الطرق تحت ضغط دوائر فاعلة وضاغطة باتجاه الدفع الى الاخذ بخيار العمل العسكري بدعوى القضاء على المقاومة المسلحة وعلى قيادات حركة حماس السياسيين. ولكن ادارة الاحتلال أدركت ان أي عمل عسكري سوف لن يؤدي الى اية نتيجة بدليل الاعتداءات المتكررة التي نفذتها آلتها الحربية خلال الاشهر الاخيرة ولكنها لم تتمكن من اقتلاع المقاومة الفلسطينية بل زادت عناصرها قناعة ان ضرب اهداف الاحتلال يبقى الخيار الوحيد لإسماع صوت الشعب الفلسطيني. واذا كانت اسرائيل قد حصلت على التزام من طرف مختلف الفصائل بوقف اطلاق صواريخ القسام على اهدافها في مدن ومستوطنات جنوبفلسطينالمحتلة فقد التزمت هي الاخرى برفع الحصار الجائر الذي فرضته على اكثر من 1.5 مليون فلسطيني من سكان قطاع غزة منذ اكثر من عام ضمن خطة عقاب جماعي لم يسبق للمجموعة الدولية ان عرفته منذ القرون الوسطى. وقال مارك رغيف الناطق باسم الوزير الاول الاسرائيلي ايهود اولمرت ان اسرائيل قبلت المقترحات المصرية وانه وبداية من فجر اليوم سيكون السكان اليهود في جنوبفلسطينالمحتلة من اسماهم ب "ضحايا " في مأمن من صواريخ القسام انطلاقا من قطاع غزة. وقال فوزي برهوم احد قادة حماس الذين نقلوا مقترحات الحركة الى الجانب المصري بخصوص الهدنة ان الجانب الفلسطيني سيلتزم بالاتفاق وانه لن يعطي المبررات لاسرائيل من اجل خرق الهدنة". واكتنف القرار بعض الغموض على الاقل من حيث تصريحات طرفيه "حماس" واسرائيل، فبينما اكد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة ان مصير الجندي الاسرائيلي في قطاع غزة غير معني بقرار الهدنة اكدت مصادر اسرائيلية من جهتها ان مفاوضات غير مباشرة حول قضية هذا الجندي الاسير منذ جوان 2006 ستبدأ يوم 22 من الشهر الجاري بالعاصمة المصرية. كما تضمنت ترتيبات الهدنة ايضا شروع الطرفين والوسيط المصري بالاضافة الى السلطة الفلسطنية والاتحاد الاوروبي يوم 26 جوان في مفاوضات من اجل اعادة فتح معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة. واذا كانت السلطات المصرية قد نجحت في اقناع الطرفين التوقيع على هذه الهدنة فإن العديد من المتتبعين بدأوا يتساءلون حول امكانية استمرارها وخاصة في الظروف الحالية وفي ظل حساسية الموقف سواء بالنسبة لحركة حماس او ادارة الاحتلال وعدم التحمس الذي يبديه الجانب الاسرائيلي؟ ويطرح هذا التساؤل بإلحاح وخاصة اذا علمنا أن اطراف صناعة القرار في اسرائيل غير منسجمة في التعاطي مع هذه المسالة فبينما ايدها ايهود اولمرت ذهب مسؤولون في جيش الاحتلال الى التشكيك في صمود القرار رغم قصر مدة سريانه وحسم بعضهم الاخر الامر بالقول انها ستكون "هدنة هشة ومؤقتة". وهي تاكيدات تدفع الى الاعتقاد ان اسرائيل لاتريد استعمال الهدنة الا مجرد غطاء تمهيدا لاوسع اعتداء على قطاع غزة. وسارع وزير الدفاع الاسرائيلي احد اكبر الرافضين للهدنة والمدافيعن عن خيار العمل العسكري الموسع الى التشيك في امكانية استمرارها وقال انه من الصعب التكهن بمدة استمرار التهدئة في نفس الوقت الذي اكد فيه مدير جهاز المخابرات العسكرية يوسي بيديتز ان الهدنة ستكون "هشة ومؤقتة". وتؤكد مثل هذه التكهنات على سوء نية الاحتلال في التعاطي مع هذا المعطى الجديد وقرارها بقبول التهدئة لم يكن الا من اجل التظاهر بالبحث عن السلام مع الفلسطينيين ولكنها في الحقيقة تتعامل بمنطق عدائي مع حركة المقاومة الاسلامية. ويدفع هذا الى التساؤل ايضا حول ما اذا كانت ادارة الاحتلال ستتبنى لغة السلام وهي التي لا تعرف الا استعمال القوة العسكرية في تعاملها مع الفلسطنيين بدليل افشالها لكل جولات التفاوض مع السلطة الفلسطينية.