شعّت من رواق ”عائشة حداد” بالعاصمة، الألوان بمناسبة معرض الفنانة العصامية أمينة بلعزيز، الذي اختتم أمس، تجسّدت فيه أشكال وأطياف وإيحاءات وأضواء متلونة تعنى أغلبها بعالم المرأة والطبيعة، حيث اكتشف الزائر مستوى الاحترافية وتقنيات الرسم الراقي، التي تعكس مدى التكوين والتحكّم بسلاسة في عالم الريشة. تعلّقت الفنانة بعالم الألوان السحري وهي في سن مبكرة من عمرها لم تكن تتجاوز ال11 سنة، كانت تحرص على إمساك قلم الرصاص ومعه الأوراق البيضاء لتسجّل ما يمليه عليها خيالها الذي غالبا ما كان ترجمة بريئة لعالمها الصغير، مرت الأيام لكن الموهبة بقيت راسخة رغم التفوّق الدراسي فانتقلت الفنانة إلى الرسم بالألوان المائية وبتقنية ”القواش” (الألوان المجسّمة وهي من الألوان المائية المعتمة) وكذا الرسم بالحبر لتنجز لوحاتها بأسلوبها الخاص وتعبّر عن أفكارها بفضل الأسلوب السريالي لأنها رأت فيه المعبر الوفي لها وشيئا فشيئا أصبحت هذه اللوحات محل إعجاب وتشجيع محيطها. بحلول سنة 2008 التقت بمعلمها الفنان الجزائري الكبير بوتريف يوسف، الذي قدّمت له عيّنة من أعمالها ليشجعها على المضي قدما في عالم الفن التشكيلي وبالتالي تابع منذ ذلك الوقت مسارها مقدّما لها التوجيهات اللازمة وكانت الفنانة ملتزمة بالاجتهاد والبحث الذي لم يتوقّف، وجاءت الكثير من اللوحات باللون الأزرق بمختلف درجاته خاصة في اللوحات التي تعرض السماء أو أمواج البحر الهائج الذي غالبا ما يحوي بأعماقه رموزا وكتابات وغيرها لها علاقة بعالم المرأة وطقوسها. وتبرز في لوحات أخرى، المرأة في أشكال جديدة لتظهر مثلا في شكل قطرات بمعنى أن كل قطرة ماء بداخلها امرأة تنزل من السماء وذلك لأن المرأة ينبوع الحياة، وفي لوحة أخرى يظهر البؤس والألم الذي يفرض على حواء، ففي وسط حزمة من الخطوط الغليظة الداكنة يتراءى وجه امرأة سمراء تتهاطل من عينيها الجميلتين والمتعبتين دموع حمراء وكأنها تبكي دما، وتظهر في اللوحة المجاورة امرأة أخرى على شكل لولبي بزي نسائي مزركش ورأسها عبارة عن عين واحدة تبصر بها العالم بشكل مكبّر وهو دليل على وعيها وتبصّرها للأمور كلها، كما ربطت الفنانة في بعض اللوحات بين المرأة والطبيعة فرسمت في لوحة رأس امرأة وجعلت من شعرها أغصانا ممتدة عبر الأفق باعتبار أن المرأة مثمرة كالشجرة فهي الأم الولود وهي الواهبة لكل إحساس ولكل عطاء دون مل أو منّ . للإشارة، فإنّ أغلب لوحات الفنانة أمينة من الحجم الكبير ومن هذه اللوحات لوحة كبيرة قسّمتها إلى لوحات صغيرة ملأت أركان اللوحة بألوان مختلفة وتخرج من وسط اللوحة الأفاعي تتّجه زحفا نحو الأعلى وهي مزركشة وربما كان ذلك لأن الأساطير القديمة غالبا ما ربطت هذه الزواحف بجنس الأنثى، فيما تضمّنت اللوحة صورا أخرى عن الطبيعة وعالم الحيوان. وشدّت لوحة أخرى الجمهور، حيث تظهر فيها المرأة محمية بقوقعة مزخرفة وهي دليل معنى ”السر” عند المرأة، وعجّت اللوحات بالألوان والرموز منها اللوحة الوردية التي تسبح في فضائها الحيوانات المنوية وهي دليل على الإخصاب وجوارها لوحة أخرى يظهر فيها حجر امرأة تحتمي به الإنسانية والطبيعة معا. على العموم، كان المعرض بنكهة أنثوية خالصة نقل معاناة المرأة وأحلامها ورؤيتها للحياة وللجمال والطبيعة وباعتبارها منبعا للحياة تحاول رغم كلّ الظروف أن تجد التكامل الإيجابي مع الرجل دون صراع من أجل الوصول إلى مجتمع متوازن وسعيد، وحرصت الفنانة على استعمال الألوان الأولية حتى في اللوحات القاتمة مع الاحتفاظ بلون واحد حي لكونه الأقدر على ترجمة العمق الإنساني، كما حاولت زرع الأمل وانتظار غد أفضل يزيح الكآبة واليأس. ويبقى هاجس هذه الفنانة البحث لاكتشاف الجديد الذي يكون الأقدر على إيصال الرسالة الفنية والجمالية وبالتالي الولوج أكثر في عالم الاحترافية، كما تستعين من خلال بحثها بخبرات الجيل الذي سبقها من الفنانين منهم مثلا فنان تأثرت به وهو الراحل زكار، إضافة لبعض الفنانين الأجانب الذين اطّلعت على أعمالهم والذين برزوا في تخصّصات متعدّدة منها التخصّص في رسم السماء والأفق بطرق أذهلتها، وما يميّز هذه الفنانة أيضا التواضع فرغم احترافيتها التي لا تمثل سنها إلا أنها مازالت تعتبر نفسها في بداية الطريق؛ وأن عملا جبارا ينتظرها وبالتالي تعمد إلى البحث والدراسة والالتزام بالرسم طوال الوقت دونما توقّف لاقتناعها بأن الإبداع لا مواعيد له. للإشارة، فإنّ الفنانة أمينة بلعزيز من مواليد سنة 1984 بالبليدة، حاصلة على شهادة مهندس دولة، سبق لها وأن قدمت الكثير من المعارض الجماعية والفردية ابتداء من سنة 2004 بجامعة باب الزوار وتحصّلت على عدة جوائز وطنية منها ”جائزة عائشة حداد”، كما أن كل لوحات الفنانة لا تحمل عنوانا وهي فرصة تعطيها أمينة للجمهور كي يقرأ ويرى فنها بإحساسه دون توجيه منها ليطلق العنان لدواخله كي تكتشف عوالم ظلّت غائبة عنه.