تظل المباراة التاريخية بين الجزائروألمانيا في مونديال إسبانيا 1982، راسخة في أذهان الجزائريين وذاكرة محبّي اللعب الجميل عبر العالم. ولم تخطئ المجلة الفرنسية "فرانس " باعتبارها واحدة من أفضل 100 مباراة في تاريخ المونديال. ولا تكمن أهمية المباراة الأسطورة في نتيجتها من خلال التفوّق الأسطوري والتاريخي للمنتخب المجهول (الجزائر) على المنتخب العملاق وبطل أوروبا آنذاك (ألمانيا) وفي الأداء الراقي ل "الخضر"، بل ما سبقها من تعليقات ساخرة من جانب الألمان ضد الجزائر، وتكهنات، بل وجزم بقدرة قطارهم على دهس المنتخب القادم من الجنوب! لم تكن القرعة التي جرت في ديسمبر 1981، في مدريد رحيمة بالجزائر، التي ستخوض لأول مرة في تاريخها أكبر مسابقة في العالم، فقد أوقعتها في المجموعة الرابعة التي تزعمها العملاق الألماني الذي كان يضم في صفوفه ألمع نجوم الكرة العالمية، حيث بسطوا قبل سنتين من ذلك هيمنتهم على القارة العجوز بتتويجهم باللقب الأوربي عن جدارة. كان ذلك سببا كافيا لتخور قوى غالبية الجماهير الجزائرية وتنهار، في المقابل، ارتفعت معنويات الألمان إلى القمّة لدرجة السخرية من المنتخب القادم من إفريقيا. أصيبت غالبية الجماهير الجزائرية بالإحباط والخوف من تقديم مونديال دون المستوى عندما خرج "الخضر" من بطولة أمم أفريقيا التي جرت تلك السنة في ليبيا، خاليي الوفاض رغم أنهم بلغوا الدور قبل النهائي. خروج منتخب الجزائر من هذا الدور من كأس أفريقيا بهذا الشكل رغم أنه كان المرشح الأول للظفر باللقب الأفريقي لقوته على الصعيد القاري آنذاك. وعزا البعض ذلك إلى عدم اهتمام اللاعبين بالمسابقة الإفريقية أو ترفّعهم عنها والانشغال بالتفكير في المونديال والمنافس الأول منتخب ألمانيا. ثم جاءت القائمة النهائية (23 لاعبا) التي اختارها الطاقم الفني بقيادة خالف محيي الدين، ومساعدة المدير الفني رشيد مخلوفي، لتضيف سببا آخر إلى مخاوف الجزائريين من مشاركة سيئة محتملة لمنتخبهم في المونديال. واختار الطاقم الفني أسماء لم تكن مرشحة أو حتى معروفة على غرار بوربو، واستبعد لاعبين ممتازين على غرار ڤموح من مولودية قسنطينة، والقلب النابض للمنتخب ورائد القبة الشاب محمد قاسي سعيد. وساورت الشكوك الجزائريين أيضا يوم إعلان التشكيلة الأساسية أمام الألمان من خلال استبعاد نجوم مثل علي بن شيخ (نجم نجوم مولودية الجزائر)، الذي لعب مكانه المحترف في الخارج مصطفى دحلب، والظهير الأيسر مصطفى كويسي، الذي وضع مكانه المحترف الآخر فوزي منصوري، والمدافع الحر عبد القادر حر، الذي حل محله العملاق نور الدين قريشي (مساعد مدرب الخضر حاليا). وجاء الأداء الهزيل ل«الخضر" في المعسكر الإعدادي الذي سبق المونديال ليزيد الطين بلّة، ويضاعف حالة الاستياء والقلق التي كانت تسيطر على الجزائريين وتوجسهم من مشاركة سيئة محتملة في المونديال، فخلال تواجدهم في مدينة خيخون وأوفييدو الإسبانيتين لم يظهروا أي شيء يذكر في مواجهاتهم الودية الثلاث مع أندية محلية. جعل هذا الأمر زملاء الأخضر بلومي، محل سخرية المنتخب الألماني، حيث راح لاعبو الأخير بمن فيهم مدربهم دورفال، يعدون جماهيرهم بتسجيلهم أثقل نتيجة خلال مشاركتهم في المونديال. ومما قاله كارل هانز رومينيغه: "سأحرز العديد من الأهداف وسأهدي هدفا لزوجتي والآخر لكلبي". فيما قال المدرب دورفال: "إذا خسرت لقاء الجزائر سأمتطي أول قطار من مدريد إلى ألمانيا". أما المدافع القوي المخضرم بول برايتنر، صاحب اللحية الشهيرة فقد أطلق عبارته الشهيرة: "إذا خسرنا أمام هذا المنتخب المغمور سأضطر إلى حلق لحيتي". وقد فعلتها الجزائر وأطاحت بالألمان، لكن برايتنر حافظ على لحيته الحمراء وأسهم في ترتيب اللقاء الثالث مع النمسا، وانتظر 15 سنة كاملة بعد ذلك التصريح ليحلق لحيته مقابل 10 آلاف دولار. لكن حقيقة الواقع شيء آخر، ففي السادس عشر من جوان 1982، تمكن المنتخب الوطني المغمور والمجهول الذي يخوض المونديال لأول مرة بتشكيلة تضم سبعة لاعبين من الدوري المحلي (سرباح ومرزقان وڤندوز وفرڤاني و عصاد وماجر وبلومي وبن ساولة بديلاً لزيدان) بقيادة المدرب المحلي خالف محيي الدين، ومساعده رشيد مخلوفي، نجم منتخب جبهة التحرير الجزائري، من الحاق الهزيمة بالعملاق الألماني وأفضل المنتخبات الأوربية آنذاك. كانت الهزيمة التي ألحقها "الخضر" بالألمان نالت إعجاب العالم بأسره. لأنها كانت نتاج أداء بطولي تاريخي وكرة رائعة وجميلة لخصها المعلّق الجزائري الشهير محمد صلاّح، بعبارته الشهيرة: "يا للروعة يا للجمال، بلومي ماجر والهدف الأول للجزائر"، وذلك عندما هزّ ماجر حصون الألمان بالهدف بلقطة فنية جميلة جداً إثر كرة مرتدة من الحارس العملاق شوماخر. وزاد إتقان "الخضر" للعبة والكرة الجميلة عندما أسقطوا نظراءهم الألمان بالضربة القاضية من خلال إحراز الهدف الثاني، الذي جاء بعد دقيقة فقط من هدف التعادل للألمان (د68)، وبعد 11 تمريرة بين لاعبي الجزائر انتهت الكرة عند الجناح الطائر عصاد، الذي يمرر كرة عرضية لبلومي، الذي لم يتوان عن إيداعها مرمى شوماخر، وسط دهشة الأخير ومن ورائه كل الألمان! ومثلما فعلها المعلّق صلاّح في المرة الأولى، فعلها في الهدف الثاني وردد عبارته الشهيرة التي لا يزال يحفظها الجزائريون إلى اليوم: "يا سلام يا سلام روعة بلومي عصاد بلومي عصاد" ويعيش الرجل، ومعه كل الجزائريين، فرحة هيستيرية ازدادت حدّتها بعد إطلاق الحكم البيروفي صافرة النهاية. عاشت الجزائر تلك الليلة أفراحا لم تشهد لها مثيلاً منذ الاستقلال عام 1962! وبعد سنوات اعترف الألمان أنفسهم كم كانوا صغاراً عندما استصغروا الجزائر قبل مونديال إسبانيا، فهذا المدافع القوي في التشكيلة الألمانية لعام 1982، هانس بريغل، يصف خسارة منتخب بلاده أمام منتخب الجزائر 2-1 في مونديال إسبانيا "بالخسارة المؤلمة". وقال في حوار مع صحيفة الاتحاد الإماراتية في 2007: ‘'لقد كانت مباراتنا مع الجزائر أول مباراة في كأس العالم 1982، وكان الناس يرددون في ذلك الوقت أن الجزائر فريق ضعيف، ولذلك لعبنا بهدوء وثقة، فكانت الخسارة الصدمة التي اعتبرها خسارة مخجلة، لأن البعض كان يتحدث عن الفوز بالخمسة والستة، ولذلك لم نستعد جيداً". وفي رده على سؤال حول ما إذا كان يتأسف لإقصاء رفقاء بلومي في الدور الأول، قال بريغل، أنه يشعر بالأسف وليس لديه ما يقوله سوى أنه يعتذر للجزائريين، لأنهم كانوا يستحقون التأهل إلى الدور الثاني لكونهم قدموا عروضاً أفضل منهم. أما مواطنه الحارس العملاق شوماخر، ففضّل التقدم باعتذار للجزائريين على تآمر منتخب بلاده مع النمسا لمنع الجزائر من بلوغ الدور الثاني لمونديال إسبانيا، وأضاف في تصريح أمام الجماهير الجزائرية خلال تواجده في الجزائر قبل سنوات قليلة: "أطلب عفو الشعب الجزائري والمدرب محيي الدين خالف". وذهب إلى حد اقتراح فكرة مباراة ودية بين ألمانياوالجزائر لتصليح خطأ الألمان. في المقابل وتعليقا على الفوز التاريخي للجزائر على ألمانيا في مونديال إسبانيا، أكد نجم الكرة الجزائرية الأسبق، وصاحب هدف الفوز على الألمان الأخضر بلومي، أن "الروح الوطنية كانت مفتاح فوز الجزائر في تلك المباراة المثيرة". وقال بلومي: "إن العناصر الوطنية اعتبرت القضية مسألة كبرياء" مضيفاً: "كنا حقيقة أبطالاً ضد الألمان خلال هذا المونديال، لأننا أردنا الرد على منافس جرح مشاعرنا بتصريحاته الاستفزازية قبل المباراة، كانت تلك التصريحات بمثابة حافز إضافي لنا وأجّجت فينا الروح الوطنية". وأوضح بلومي: "كان رشيد مخلوفي ومحيي الدين خالف، مدربا الفريق الوطني في تلك الفترة وكذا الصحفيون، ينقلون لنا يوميا التصريحات الاستفزازية والتهكّمية للألمان، فكانت هذه التصريحات بمثابة تحفيز كبير لنا، والتي جعلتنا نرد عليها فوق الميدان".