ما يزال الجزائري متعلقا بمحبة رسول الله المخلص من يوم يفر فيه المرء من ذويه، الفرار يكون له صلى الله عليه وسلم فهو الشفيع الذي ادخر دعوته الى ذلك اليوم الذي تستغيث به أمته فيغيثها، هو ذا رسول الله في الفكر الجزائري محبة دائمة ووسيلة ورحمة، فرغم أن القطر الجزائري لم ينجب فطاحل شعراء الفصحى مثلما هو في المشرق العربي والأندلس إلا أنه أنجب شعراء الرسول، فلا يمكن لأي شاعر على هذه الأرض أن يكون شاعرا إذا لم يفتتن بأخلاق ومكارم رسول الله فمعظم شعراء الجزائر هم شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم منذ ما عرفت القصيدة الشعبية طريقها الى العامة وأصبحت مديحا وأغاني يتغنى بها في الأعياد والاحتفالات والأعراس، ومن يريد أن يقف على تقاليدنا الشعبية الأصيلة يلمس هذاالتواجد لمحمد رسول الله، فلا يزف العريس الى عروسه إلا على المديح الذي يذكر فيه اسم رسول الله وهو العريس يخضب بالحنة، "محمد محمد، ويا ناس صلوا عليه، محمد، محمد يربح من صلى عليه" ثم تعلو الزغاريد هكذا يتحول رسول الله الى فرح في الدنيا والآخرة. يقول الشيخ سيدي قدور العالمي رحمه الله من القرن التاسع عشر مادحا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يامن جانا بشير بالهدى ونذيرا لامن يقدر يحصي أوصافك الكثيرة لكن القبول منك ياضى المنيرا جوزت هديتي على الوصاف قصيرة جوزت عن ذنب كعب بن زهير لما مجد جمال ذاتك العطيرة أنت سيد العرب معدن الخير وأنت المخصوص بالشفاعة والغيرة سيد الدنيا وعز يوم الأخيرة" هذه هي النظرة الصادقة التي ننظر بها الى رسول الله، أما فيما يخص الدفاع عنه من الأذى والسب سواء التي كان يلحقها به وبنا الاستعماريون وتوابعهم من الصهاينة فهذا أمر لايمكن تجاهله أو نسيانه وهو نوع من الميز العنصري والمس بحقوق الانسان، فالاستعمار الفرنسي لم يكتف بتهديم المساجد وطمس المعالم التاريخية والحضارية وتحويل أماكن العبادات الى مخازن للتبن وللمواشي بل ذهب لأكثر من ذلك بتشويه الأسماء وافسادها حتى أصبحت العائلات الكبيرة الجزائرية فاقدة لاسمائها الأصلية وذلك من خلال التشويه المتعمد من قبل المحتلين، أما الأعمال الشاقة والمنحطة فإنما تسند للمسلم إمعانا في اهانته وإذلاله والحط من قيمته يطلقون على كل عامل اسم "محمد" وهذا حقدا على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت كل عاملة تسمى عندهم "فاطمة"، إلا أن هذه الأسماء الشريفة والمباركة كانت بالنسبة للجزائري العزة والكرامة والشرف والانتماء والاعتزاز بأنه ينتمي الى حضارة عظيمة أسسها محمد صلى الله عليه وسلم بالرحمة والعدل والرفق والمساواة، فالناس عنده سواسية كأسنان المشط، ويأتي خليفته الصديق بعده ليؤكد عظمة الإنسان وكرامته في خطبته حين تولى أمر المسلمين بقوله: "والله إن الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له ، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه". ويقول الشيخ عبد الكريم دالي رحمه الله حين زار الحجاز مادحا ومشوقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله نلت قصدي وبلغت منايا زرت المصطفى شفيعنا نبينا العدنان" وخسأ الدانمركي في رسوماته والهولندي في أكاذيبه، وبقي رسولنا الكريم ساميا سماويا كوكبا دريا يستضاء به ويهدي الى الخير والفرح والمحبة.