تتردد العائلات العاصمية في اختيار الوجهة والمكان الأمثل لقضاء سهراتها الصيفية الطويلة بعيدا عن الأماكن المزدحمة، خاصة المرافق الترفيهية والشواطئ أثناء النهار، ولعل مقام الشهيد برياض الفتح إحدى هذه الوجهات، التي وللأسف لا ترقى الى طموحات الوافدين من العائلات فالتجارة بها غائبة وأروقتها فارغة وموحشة، أما زوارها فهم من نوع خاص... يختلف واقع رياض الفتح في النهار عنه في الليل، باستثناء بعض التفاصيل التي تميز الليل عن النهار، ففي الوقت الذي توصد المحلات التجارية أبوابها أثناء الليل، يفسح المجال لنوادي الرقص واللهو التي تستهوي زوارا من نوع خاص، يبدأون في التوافد عليها بدءا من منتصف الليل في شكل جماعات وفرق من الفتيات الحسناوات ومرافقيهن. محلات الأكل.. أسعار خيالية في غياب النظافة! وترددنا في تحديد مكان لتناول وجبة العشاء خارج البيت، قبل ان يقع اختيارنا على أحد محلات الأكل برياض الفتح، لكننا فوجئنا بقائمة وجباته أقل ما يجب أن يكون في محلات للأكل السريع، فلا أطباق شعبية ولا أخرى تقليدية تعكس ثراء وتنوع المائدة الجزائرية في مكان مثل رياض الفتح، الذي يعد احدى الواجهات التي يقصدها السياح، ورغم ذلك اكتفينا بما عرض علينا في قائمة الوجبات، لكن وفي كل مرة اردنا طبقا معينا يقابلنا العامل بكلمة "ماكانش" وكأن كثرة الزبائن قضوا على كل ما تم تحضيره، في حين كنا الوحيدين في المطعم، كما أن الأجواء كانت لا توحي لنا بمرور زائرين من قبل وإن كانوا فهم قلة قليلة... غيرنا المطعم فتوجهنا الى آخر، دخلناه عبر الباب الخلفي بالصدفة، لنفاجأ بمطبخ غاية في التعفن والإهمال مع روائح منبعثة من بقايا الأكل المتراكمة تحوم حولها أسراب من الذباب والناموس وما خفي من الصراصير والحشرات الأخرى، وبسرعة كبيرة خرجنا من المحل لنقرر في الأخير الاكتفاء بتناول بعض المرطبات والمثلجات والاستغناء عن وجبة العشاء.. وقد كلفتنا المثلجات ما يقارب وجبة عشاء لغلاء ثمنها، فأسعار علب المثلجات الصغيرة بضعف السعير المعروض في المحلات العادية أي عرض 20 دج للعلبة، فتجدها بين 45 و50 دج ببهو رياض الفتح، أما أطباق المثلجات المشكلة فلا يقل سعرها عن 200 دج الى غاية 700 دج. تجارة غائبة وأروقة تسكنها الأشباح لقد كتب الكثير عن بهو رياض الفتح، لكن لا شيء تغير في هذا الصرح المعماري الضخم، الذي يعكس تاريخ الجزائر وشموخها وعزتها، وإن انتهجت الجزائر سياسة سياحية في خطوة للتخلي التدريجي عن الاعتماد على المحروقات والاستفادة من الثروات الطبيعية التي تزخر بها بلادنا، فخلال زيارتنا له ليلا لم نجد ولا محلا تجاريا مفتوحا، رغم أن عقارب الساعة كانت تشير الى حدود الثامنة ونصف ليلا، وهو ما دفع بالعائلات القليلة التي كانت بصدد زيارة المكان الى العودة على أدراجها دون الخوض والغوص أكثر في أروقته التي سكنتها الأشباح ونفرت الراجلين منها رغم شساعتها وجمالها وبريق رخام أرضيتها والأضواء المتلئلئة بها. خيمة صحراوية.. وزوار من نوع خاص وأنت تتجول برياض الفتح نهارا، تصادفك أفواج من الازواج والعشاق الذين يتجولون بين جنبات هذا الصرح العملاق، وكذا غابته الواسعة والكثيفة، لكنك في الليل قد تتوق الى رؤية من يملأ المكان حركة وضوضاء باستثناء بضع عائلات تسير باحتشام في رحلة بحث عما يمتعها ويروح عن نفسها، ولدى تساؤلنا عن سر هذه الأجواء الموحشة التي تسكن بهو رياض الفتح، أجابنا أحد أعوان الحراسة أن المتعة الحقيقية تبدأ بعد منتصف الليل لكن لزوار من نوع خاص، ليعج بعدها المكان وتتعالى الموسيقى الصاخبة المنبعثة من الملاهي والمراقص الليلية المنتشرة بالمكان والتي يفوق عددها عشرة ملاه. ويضيف عون الحراسة بشيء من التدقيق والتوضيح، إن العائلات لا تليق بها مثل هذه الأماكن، في إشارة منه الى ضرورة مغادرة المكان. وفي غمرة حديثنا الى بعض عمال مقام الشهيد، لمحنا خيمة صحراوية منصبة بوسط بهو رياض الفتح، عارضة أهم النتجات التي تميز سكان الصحراء من حلي فضية وألبسة جلدية وغيرها، فيما فضل عارضو هذه الخيمة الالتفاف حول صعة الشخشوخة التي أسالت لعاب كل من مر أمامها وشم رائحتها أمام دعوات أهل الصحراء لكل المارة للانضمام الى المأدبة أو تناول كأس شاي.