استضاف بيت الشعر في أبوظبي التابع لنادي تراث الإمارات في مقره بمركز زايد للبحوث والدراسات بمنطقة مارينا البطين في أبوظبي، مساء أول أمس الأول، الشاعر الجزائري عياش يحياوي في أمسية بعنوان “العادات القولية في الشعر النبطي في الإمارات”، بحضور حبيب الصايغ رئيس الهيئة الإدارية لبيت الشعر ونخبة من المثقفين والشعراء وجمهور الشعر . وأشار يحياوي إلى إشكالية التكرار اللفظي في النصوص، معتبراً أن الوعي الجمعي في بنية القصيدة النبطية جعل منها مسطرة، وضخم قيودها، ومنحها صفات مميزة، وجعل من الخروج عنها خروجاً عن العرف، كما يمنح الشاعر النبطي موقف العرب “أبناء القبائل” من قصيدته أهمية كبرى فإن أطروا قصيدته ارتفع كعبه الشعري، وإذا تبرموا منها انحسر صيته وهبط بين فحول الشعراء، أي أن جماليات القصيدة ذائعة وشائعة بين العرب، والمطلوب من الشاعر أن ينسج على منوالها، وكلما كان نسجه أصيلاً في الذاكرة الجمعية وكان طبعه الشعري يتسم بقيم البداوة في لطائفها وعمق مراميها حفظ البدو شعره ونشروه بين القبائل . وتحدث يحياوي عن موقف أربعة شعراء إماراتيين من التقليد، هم الشاعر الماجدي بن ظاهر الذي عاش البيئة التاريخية والاجتماعية لأهل الإمارات من بدايات القرن السابع عشر الميلادي إلى نهايات القرن الموالي، والشاعر سعيد بن عتيج الهاملي الذي توفي عام ،1919 ومن الخمسين سنة الأخيرة من القرن الماضي وحتى الآن حيث تعيش الشاعرة فتاة العرب، والشاعر ابن عزيز المنصوري .
وأوضح أنه على خلاف الشعراء الثلاثة الآخرين نبه ابن ظاهر إلى أن شعره نابع من فؤاده وليس مستمداً من شعر غيره من الشعراء بما يعني أنه متفطن إلى شعراء زمانه الذين لا يصدر شعرهم عن “الفؤاد” بل عن تقليد من سبقوهم، مشيراً إلى أن هذا الموقف المتقدم من شاعر كبير مثل ابن ظاهر يؤكد أن الشاعر النبطي المبدع لا ينقل عن غيره لأنه معتز بموهبته وقدرته على الإتيان بصور ومعان صادرة عن ذاته الشاعرة، أما ابن عتيج فلم يلتزم بما التزم به ابن ظاهر، ورأى يحياوي أن شعره مثل شعر مجايليه يرد إلى شعر الأوائل كما ترد روافد الماء إلى المجرى الأصلي للسيل . وأشار يحياوي إلى أن الشاعر ابن عزيز كان يرى أن شعر ابن ظاهر يمثل نموذجاِ يحتذى، ولم ينتبه إلى أن ابن ظاهر نفسه يرفض فكرة الاحتذاء مثل أي شاعر مؤمن بتفرده، ولقد كان ابن ظاهر يفتخر بشعره لأن فؤاده هو مصدره، أما ابن عتيج وابن عزيز فيفتخران بشعرهما لأنه مستمد من شعر شعراء قدامى يعتزان بمكانتهم في ذاكرة الأجيال . وقال يحياوي إن رأي فتاة العرب لم يختلف عن رأي الشاعرين ابن عتيج وابن عزيز على الرغم من الإضاءات التجديدية الواضحة في البنية اللغوية لبعض شعرها فهي ترى ما يريان من أن الخروج عن القواعد التي أرساها الشعراء الأوائل في قول الشعر بدعة غير مستحبة . وذكر يحياوي أنه يكاد يجزم أن 90% من دواوين الشعر النبطي في دولة الإمارات لا أصول لها، بحيث لاتجد في مقدمة الكتاب كيف قام الباحث بجمع المعلومات، وما هي مسوداته، وما هي المصادر التي جمعها، مشيراً إلى أنه ليس من حق الباحث أن يعتبر أنه هو المصدر من دون أن يذكر أو يوضح ما هي المصادر التي جمع منها الديوان . وأضاف أنه يجب على الباحثين في الشعر النبطي الإماراتي سواء المواطنين أو من جنسيات أخرى أن يحذروا من كتابة كلمة “جمع وتحقيق” لأن أغلب الكتب المعنية بهذا الشأن يكتب عليها “تحقيق” وعند فتح الكتاب من الداخل لا نجد أي تحقيق يذكر، فالتحقيق هو فن قائم بذاته من خلال التعريف بالشاعر والبيئة التي كان يعيش فيها ومن هم الشعراء الذين تأثر بهم وعاصرهم، كما يجب شرح أسماء الأعلام، مثل أسماء المناطق والجبال والبحار والتطرق إلى اللمحات التاريخية حتى يكون المعنى واضحاً للقارئ والباحثين . وفي ختام الأمسية كرم حبيب الصايغ رئيس الهيئة الإدارية لبيت الشعر الشاعر عياش يحياوي وقدم له درع بيت الشعر .