تعد ظاهرة تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي من أكبر المشاكل التي تتخبط فيها المدرسة الجزائرية، نظرا لما تخلفه هذه الظاهرة من أخطار و مساهمتها في تنامي ظاهرة أخرى انبثقت عنها وهي ظاهرة العنف المدرسي في المؤسسات التربوية، في ظل غياب الرقابة من عديد الأطراف الفاعلة كالأسرة، و الطاقم التربوي وكذا مصالح الأمن، حيث أصبحت هذه الأخيرة من أبرز الظواهر الإجتماعية الراهنة و احدى مشكلاتها المعاصرة التي أضحت تهدد المدرسة الجزائرية بصفة خاصة، و كيان المجتمع بصفة عامة و بكافة فئاته و اتجاهاته. وقبل الحديث عن هذه الظاهرة لابد من الإشارة إلى أهم الأسباب المؤدية إلى تفاقمها على غرار التفكك الأسري الذي يعد أحد أقوى المسببات لتعاطي المخدرات من قبل المراهقين، فغياب الرقابة من قبل الأولياء نتيجة الطلاق و افتقار الوسط الأسري لسبل الحوار و التشتت، وغياب الوازع الديني، ومصاحبة رفقاء السوء،بالإضافة إلى غياب الوعي الكافي لدى الفرد حول خطورة المادة المخدرة و محتواها . فخطورة تعاطي المخدرات من قبل المتمدرسين أو المراهقين أو القصر إن صح التعبير داخل المجتمع الجزائري وما تتركه من أثار نفسية واجتماعية و اقتصادية مدمرة على الفرد و المجتمع و كذا على الدور الذي تلعبه المؤسسات التربوية المتمثل في التربية و التنشأة الاجتماعية السوية، فهذه الظاهر أصبحت تؤرق جميع المهتمين بها على غرار الأسرة و المؤسسة التربوية، وكذا مصالح الأمن التي لها صلة مباشر بهذه الآفة الخطيرة، و كذلك علماء الاجتماع و علماء النفس، وحتى رجال الدين، من أجل احتوائها و الحد من مخاطرها . فالإدمان على المخدرات الذي يمثل أكبر نسبة من مجموع القضايا المطروحة في المحاكم، هاجس كبير نظرا لنتائجه الوخيمة على كافة الأصعدة، خاصة و أن العصابات المروجة لهذه السموم صارت تستهدف بشكل كبير ضحاياها في المؤسسات التربوية، لتقدم لهم هذه السموم على شكل هدية إلى حين أن تضمن بيعها ولهذا السبب يسقط العديد من المراهقين في شباك الإدمان الذي يعبر في أحيان كثيرة عن الهروب من وسط أسري متفكك أو عن حاجات لم يتمكن المحيط الأسري من اشباعها،لهذا يتعين على الأولياء متابعة أبنائهم و التحلي بالوعي و اليقظة أكثر من أي وقت مضى لتفادي انحرافهم وإعطاء اهتمام أكبر لسلوكياتهم و مراقبة تصرفاتهم و تحركاتهم حتى يتم تجنبهم الوقوع في مخالب هذه الآفة و وضع حد لانتشارها. وفي هذا الشأن ووعيا منهم بخطورة الظاهرة ينادي العديد من المختصين و الخبراء المهتمين بشؤون المراهقين إلى ضرورة الإسراع في تدراك الاستفحال المثير للمدمنين على المخدرات في الوسط المدرسي من خلال تفعيل دور الإرشاد النفسي وسط المراهقين للحيلولة دون تضليلهم ولاحتواء انشغالاتهم حتى لا تكون سببا في التسرب المدرسي، ولهذا يجمع العديد من المختصين النفسانيين على أن غياب الاتصال داخل الأسرة من أهم الأسباب التي تجعل الشباب عامة، و المراهقين خاصة يرتمون في أحضان الشارع لتبدأ بعد ذلك حياة الانحراف ومخالطة عصابات السرقة، و التعدي على الغير، و الترويج للمخدرات . وفي هذا الصدد ومن أجل مكافحة ظاهرة المخدرات و التحسيس بخطورة التدخين في أوساط المتمدرسين، تسعى العديد من الأطراف الفاعلة في كل مرة إلى تنظيم حملات تحسيسية و أيام إعلامية بهدف التوعية حول الظاهرة عبر عديد ولايات الجمهورية وفي كل مناسبة تسعى هذه الأخيرة لمكافحة الظاهرة أو الحد منها، على غرار ولاية قالمة أين أنطلق بها فعاليات الأسبوع المغاربي للصحة المدرسة و الجامعية خلال الأسبوع الماضي، تحت شعار مكافحة التبغ و المخدرات، وبهذا الشان أعدت مديرية الصحة لولاية قالمة و بالتنسيق مع مديريتي التربية و الخدمات الجامعية، وجمعية الإعلام و الإتصال في أوساط الشباب برنامجا تحسيسيا حول الظاهرة، وهذا العمل التحسيسي يستهدف خاصة المراهيقين في الوسط المدرسي و الشباب في الوسط الجامعي، وهذا من أجل مكافحة هذه الظاهرة الخبيثة التي تفشت بدرجة كبيرة في أوساط شبابنا، فمن خلال الأسبوع التوعوي تغتنم الفرصة ليوجه النظر نحو الأضرار الصحية و الاجتماعية و الاقتصادية الناتجة عن الإدمان على التبغ و المخدرات، وهذا من أجل تفاديها كما أكدت جمعية الإعلام و الاتصال في أوساط الشباب والتي تعتبر كفاعل أساسي في هذا النشاط على استهدافها الأساسي لتلاميذ المؤسسات التربوية، و طلبة الإقامات الجامعية بمشاركة مركز الكشف الإداري و مركز الوسيط لعلاج المدمنين. و أمام التفاقم الكبير للظاهرة في أوساط الشباب و المراهقين في الآونة الأخيرة، الأولياء بولاية التبسة يدعون إلى وضع استراتيجية أمنية تستدعي التفعيل و الجدية لحماية أبنائهم المتمدرسين، حيث أصبحت ظاهرة بيع و ترويج السموم و المخدرات في محيط المؤسسات التربوية تثير تخوف الأولياء و قلقهم على أبنائهم، أين تفاقمت هذه الظاهرة في ظل غياب إستراتيجية أمنية تستدعي التفعيل و الجدية لمكافحتها حسب ما أكده الأولياء، كما عبر تلاميذ الأطوار الثلاث عن امتعاضهم من الظاهرة مطالبين بذلك بالحماية و الرقابة . كما كشف المدير العام للديوان الوطني للمخدرات و إدمانها محمد بن حله عن مشروع إعداد استراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات للفترة الممتدة من 2018 إلى2022 ، أين ترتكز هذه الإستراتيجية على الوقاية و التحسيس حول مخاطر المخدرات، و أوضح ذات المتحدث أن هذه العملية تجري بمساهمة ممثلين من الدوائر الوزارية، و مختلف القطاعات المعنية قصد إشتراك أكبر عدد من الفاعلين و الخبراء في الصياغة و التنفيذ و أشار أيضا إلى أن هذه الإستراتيجية تهدف إلى ضمان رعاية صحية للأشخاص الذين يعانون من إدمان على المخدرات بصفة عامة مع السهر على ضرورة تخفيض نسبة انتشار الإستهلاك و العمل على التقليص من الأخطار الإجتماعية و الأضرار الصحية الناجمة بحيث يتم الإعتماد على عدة معطيات في إعدادها من بينها نتائج الدراسة الميدانية حول المخدرات في الوسط المدرسي بغية ضمان الوقاية لشريحة المتمدرسين من هذه الفئة . و تبقى مثل هذه الظواهر الخطيرة تستدعي تظافر كل الجهود من جميع الأطراف للحد منها وإنقاذ شريحة كبيرة من المراهقين وذلك عن طريق الإرشاد النفسي في المؤسسات التربوية سيما في مرحلة التعليم الثانوي، فالإرشاد النفسي يعد وسيلة هامة لتقويم الإعوجاج الذي قد يسيطر على نفسية المراهقين، فإصلاح المنظومة التربوية يجب أن لا يقتصر على إعادة النظر في البرامج التربوية المقترحة فقط، بل إنما يجب أن يتجه أيضا إلى كيفية تفعيل العلاقات الإنسانية في المؤسسات التربوية حيث يبقى الإرشاد النفسي على رأس الطرق المثلى لتحقيق هذا الهدف . عربية .ع