تحتفي مسرحية "هارمونيكا" لمسرح معسكر الجهوي التي قدم عرضها الشرفي بمسرح قسنطينة الجهوي بعبقرية مالك حداد و أدبه الملتزم ضمن تسلسل مبهر للمشاهد. و يفتح ستار المسرحية التي أخرجها خالد بلحاج عن نص للمسرحي فتحي كافي و المقتبسة عن ثلاثة أعمال للروائي الكبير و الصحفي و الشاعر المنحدر من قسنطينة و هي "رصيف الأزهار لا يجيب" و "سأهبك غزالة" و "التلميذ و الدرس" على الشاب إيدير بن عمر و هو صحفي طموح يحلم بإجراء حوار حصري مع كاتب كبير معروف بكونه "قليل الكلام". و سواء كان ساذجا أو ماكرا فقد تمكن إيدير من إجراء الحوار مع الكاتب الكبير لمحاولة معرفة الأسباب التي دفعته للتوقف عن الكتابة و ينبعث وسط هذه الأجواء صوت الكاتب و هو يقول"الحياة ظاهرة أدبية و الكتابة خيار". و يتغير الديكور حيث ينتقل المشهد إلى باريس (فرنسا) حيث يقوم خالد بن طوبال و هو كاتب أجبر على العيش في المنفى بسبب كتاباته بزيارة صديق طفولته سيمون. و بعد تبادل العناق و استحضار ذكريات الطفولة يتجه الحديث نحو كتاب خالد "رصيف الأزهار لا يجيب". و مع مونيك زوجة سيمون يسترجع خالد الذي يتقمص دوره محمد فريمهدي ذكرى قسنطينةمسقط رأسه التي يحبها كثيرا و يتذكر أيضا زوجته وريدة و كذا وطنه. و من مشهد إلى آخر فمن الغزالة المحنطة التي تبهر إلى بورتريه جميلة بوباشة رمز مكافحة شعب بأكمله يبدو أن الأعمال الثلاثة لمالك حداد تتقاطع و تمتزج مع بعضها و تختلط مع خالد بن طوبال كمحرك لأطوار المسرحية و لكن أيضا باعتباره ضمير و روح مالك. ففي أحد المقاهي التي يتجه إليها خالد لكتابة فصول من مؤلفه الجديد حيث يحاول البطل فرض أفكاره و طبع كتابه و هنا تتوالى الأحداث و تتسارع. فخالد يكتب من أجل الاحتجاج على الظلم و يتحدث عن المنفى ك"عادة سيئة" كما تربطه علاقة صداقة مع بيمبو المحارب الجزائري القديم في الحرب الكبرى الذي لم يشف بعد من أهوال صراع لم يكن يعنيه و الذي يطلب الاستماع إلى عيسى الجرموني في المقهى مفضلا إياه على أشعار لويس أراغون التي يغنيها جورج براسينز أو ليو فيري. و من خلال مشاهد تتطرق لمواضيع الحرية و الأمل و الشعور بالانتماء تتم مناقشة أعمال حداد الثلاثة مطولا حيث تشيد شخصيات هذه الأعمال بالمناضلين و المحاربين و كذا الشهداء. و يسدل الستار عندما يتعلم إيدير العزف على الهارمونيكا التي أهداها إياه بن طوبال. كما يتمكن هذا الشاب من التعرف على الأسباب التي جعلت الكاتب الكبير يبتعد عن الكتابة حيث يعترف له بأن "الأسباب التي كانت تحثه على الكتابة لم تعد موجودة". و في تصريح لوأج أوضح المخرج بأن المسرحية التي لعبت باللغة العربية الفصحى هي "تكريم لمالك حداد الذي لم يكن يتقن اللغة العربية لكنه كان يحبها". كما أردف بأن المسرحية هي "تحية إجلال للأدب الملتزم" و هو أدب مالك حداد على وجه الخصوص الذي "تحدى القدر و حافظ على شعلة الأمل مشتعلة". و سيتم في وقت لاحق عرض مسرحية "هارمونيكا" المدرجة في إطار برنامج دائرة المسرح لتظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لعام 2015" بولايات سكيكدة و قالمة و أم البواقي و العلمة (سطيف) و بجاية و تيزي وزو و المدية حسبما تم إيضاحه.