مالك حداد سيكون سعيدا لو شاهد نصوصه باللغة العربية فوق مسرح اعتبر المخرج خالد بلحاج بأن نصوص مالك حداد الأدبية هي نصوص تنتمي لأدب المقاومة، حيث كانت تجسد بلغة شعرية جميلة حالة رفض اللاعدالة و الظلم المسلطين على الجزائريين في مرحلة الاستعمار الفرنسي. وتحدث ابن مدينة قسنطينة في حوار أجرته معه النصر، على هامش عرض مسرحيته «هرمونيكا» في سهرة أول أمس بقسنطينة ،عن صعوبة تحويل نص أدبي شعري لمالك حداد و تجسيده فوق خشبة المسرح، و عن ظروف إخراج هذه المسرحية و النقاط التي اهتم بها أكثر من أجل إبراز قوة نصوص مالك حداد الأدبية. النصر: جمعت أعمالا أدبية لمالك حداد في عمل مسرحي واحد ، كيف استطعت أن توفق في ذلك، علما أن المهمة صعبة نوعا ما ؟ أعمال مالك حداد متميزة عن بعضها لكنني حاولت أن أجد نقطة مشتركة بينها، ألا وهي اللاعدالة التي جسدها مالك حداد في حواراته الروائية في كل من رواية «سأهبك غزالة» ،»التلميذ والدرس» ،و»رصيف الأزهار لا يجيب» ، فرغم أنه كان يكره الحرب إلا أنه كان ضد الظلم بجميع أشكاله، فأعمال مالك حداد ليست أعمالا تكرر نفسها، لكنها أعمال أدبية تحمل الهم الإنساني و تحاول نشر الحب بلغة شعرية جميلة. و قد أخذ مني العمل على الإصدارات الأدبية لمالك حداد أكثر من ثلاثة أشهر، من أجل خلق هذه التوليفة الجامعة لأعماله، حيث كتبها مصمم نص يتقن اللغتين العربية والفرنسية وهو فتحي كافي. المسرحية تتقاطع مع الأعمال الأدبية لمالك حداد، وكأن المشاهد مطالب بقراءتها قبل مشاهدة المسرحية ،أتحاول أن تتوجه نحو المسرح النخبوي الذي يتوجه لجمهور ذي مستوى ثقافي مرتفع نوعا ما؟ هدفي ليس تأسيس مسرح نخبوي أو غيرها من الأمور التي قد تفسر بعد مشاهدة المسرحية. أنا بكل بساطة حاولت أن أتحدث عن كاتب كبير مثل مالك حداد ، من خلال الاستعانة بالمسرح و أجسد شخصياته الأدبية التي أعجبت بها من خلال قراءتي لأعماله الأدبية وأقدمها بطريقة مختلفة عما هو سائد، فهذه تجربة مسرحية هي الأولى من نوعها في الجزائر، تقدم أعمال الكاتب مالك حداد. أحببت أن أقدمها للجيل الجديد لأساهم، و لو بشكل بسيط، في الاهتمام أكثر بالكاتب الجزائري الكبير وأحرص على الدعوة لترجمتها للغة العربية بشكل جيد، لكي تقرأه الأجيال وتفهم مالك حداد كما يجب. تعمدت أن تكون المسرحية باللغة العربية الفصحى مع إدراكك بصعوبة ترجمة معاني مالك حداد التي كتبت بالفرنسية للغة أخرى كالعربية، لمَ يرجع إصرارك هذا ؟ أنا مثل مالك حداد أحب اللغة العربية، وصاحب «سأهبك غزالة» كان حزينا لأنه لم يتمكن من تعلمها ، فحاولت أن تكون مسرحية «هارمونيكا» تكريما لمالك حداد، فمع كل مراحل إعداد المسرحية و إخراجها كنت أشعر أن مالك حداد سيكون سعيدا لو سمع نصوصه باللغة العربية تؤدى في مسرح قسنطينة. مع العلم بأن أعماله الأدبية تفسر تاريخ الجزائر وتمت دراستها بعمق في فرنسا، لدرجة أن كتاب «رصيف الأزهار لا يجيب» كان فوق مكتب الرئيس الفرنسي شارل ديغول وذلك من أجل فهم القضية الجزائرية بشكل أعمق من قبل الفرنسيين. هل تعمدت إظهار شعرية نصوص مالك حداد في المسرحية من خلال حوارات جميلة استساغها الجمهور و صفق لها في مراحل كثيرة من المسرحية؟ نصوص مالك حداد تكاد تكون كلها شعرية ، ما تعلق منها بالرواية أو الشعر. لذلك كان اجتهاد على مستوى كتابة النص في إظهار هذه الشعرية ووضعها في سياقها الذي أتى في الرواية لكي لا تحور المعاني في المسرحية. وهو ما أجهدنا وأخذ منا الوقت الكثير، لأن شعرية نصوص مالك حداد ليست شعرية بسيطة يمكن لأي كان أن يستعملها في المسرح. ألم تخف من تقديم نص مسرحي يخرج النصوص الأدبية عن سياقها الذي كتبت لأجله؟ المسرحي ليس مطالبا بالالتزام بالنص، وحتى إن كنت خرجت فهذه ليست مشكلة، وأنا سعيد بعملي على أول عمل مسرحي يتناول الأدب الجزائري في تجربة جديدة قد تفتح المجال لتجارب أخرى واعدة. أريد أن أقول أن العمل حاول أن يوصل مالك حداد من خلال الغوص في الأحداث التاريخية ومحاولة فهم أزمة الكتابة لديه، وهو حسب رأيي المتواضع عمل جاد دام أشهر، من أجل تقديم الكاتب الجزائري ونصوصه بطريقة مشرفة. عنوان المسرحية «هارمونيكا» يطرح تساؤلات، لما تم اختيار هذا العنوان؟ كما تابعت في المسرحية «هارمونيكا» هي الآلة الموسيقية التي أعطاها خالد بن طوبال للشاب الجزائري، ليعزف عليها كما أن مالك حداد تحدث عنها كثيرا في كتاباته، حيث كان يقول أن هارمونيكا تشبه كتاب الجيب حيث أنها تأخذك بعيدا، ومالك حداد حين يتحدث عن تغيير الأمكنة فهو يتحدث عن الأحلام و الآمال. فالكاتب لم يكن ضد الفرنسيين أو اليهود ، بل كان إنسانيا في كتاباته لذلك فالهرمونيكا ترمز للتناغم الإنساني ونبذ الحروب. مالك حداد كان ينبذ الحروب لكنه كان مع الثورة التحريرية كيف ذلك ؟ كان يكتب أدب المقاومة، يجب ألا ننسى ذلك، لكنه لم يكن مع قتل الإنسان للإنسان والذي يتجلى في الحروب لذلك وقوفه مع الثورة كان ضد اللاعدالة وكان مع القضايا العادلة و هذا موقف مشرف لكاتب جزائري حينها. ترددت العديد من الأغاني باللغة الفرنسية طيلة أطوار المسرحية،على أي أساس تم اختيارها؟ كل الأغاني تنتمي لفترة نهاية الخمسينات وبداية الستينات وهي نصوص كتبها أحد أهم الشعراء الذين تأثر بهم مالك حداد، وهو لويس أراغون الذي كان مناصرا للثورة الجزائرية، وكان طلائعيا في وقتها، فكانت المسرحية بمثابة تخليد لهذه الصداقة الأدبية، عبر دمج شخصيات مالك حداد بكلمات لويس أراغون التي غناها مغنيون كبار على غرار لينا سيمون، ليو فيريي، جون فيرا. تعاونت مع مسرحيين معروفين على غرار محمد فريمهدي كما لاحظنا وجوها شبابية تتعامل مع نص أدبي لمالك حداد، حدثنا عن التجربة... بالنسبة للممثلين الشباب، كنت سعيدا بتعريفهم بمالك حداد الذي سمعوا عنه و لم يقرأوا له ،لقد أحبوه من خلال اشتغالهم على نصوصه الأدبية، و أدائهم لشخصياتها، لذلك كان العمل على المسرحية بمثابة مناقشات مفتوحة حول مالك حداد ونصوصه ،حيث سعد الممثلون الشباب بإعادة اكتشاف مالك حداد بدرجة أعمق.