في الوقت الذي تنفق الدول النائمة الغالي والنفيس لتضييق هوامش الحرية على شعوبها بأدوات بدائية قصد مراقبتها، للحيلولة دون توغل أفكار تضر بقيمها الوطنية و الدينية، نجد في المقابل قوى خفية تعمل عبر شبكات الفايس بوك وتويتر وما جاورهما لانتزاع الإدارة الحقيقية للشعوب من أيدي الحكام وتحريكها متى تشاء لإثارة الفتن والقلاقل. من حيث لا ندري أصبحنا أمام جغرافية سياسية اجتماعية افتراضية تشد نوها فريدا من الحرقة لجمهور غفير من الشباب العربي ومنه الشباب الجزائري، ومن ذلك ما أوجدته ظاهرة الفايس بوك وشبكاتها الاجتماعية. فكم من السهل تصديق أسطورة ذلك الشاب الأمريكي الذي ابتكر الفايس بوك على الشبكة وأصبح في أقل من عقد من الزمن من أكبر أثرياء العالم، واختير هذا العام كرجل السنة من قبل نيوز ويك، وتكاد تكون قصته أن تكون أسطورة جديدة تجسد الحلم الأمريكي. غير أن ظاهرة الفيس بوك تخفي حقائق مرعبة تهدد الأمن الإجتماعي في دولنا دون أن نلتفت لها ونقيمها قبل فوات الأوان. الشباب العربي ومنه الشباب الجزائري وجد ضالته في فضاء الفايس بوك المفتوح الذي يسمح له بالدخول في روابط اجتماعية حرم منها في بلده،بحكم العادات و التقاليد التي ورثها عن سلفه من الاباء و الاجداد و أيضا بما يلقاه من إقصاء وتهميش على المستوى الإجتماعي أو حتى المشاركة في فعاليات المجتمع المدني الثقافي و الديني، لان المجتمعات العربية الإسلامية فيها الكثير من المحرمات بالدين أو بالعادات أوجدت عند الشاب العربي المسلم حالات من الكبت خاصة حيال العلاقات مع الجنس الآخر، وهو ما تستغله ظاهرة الفايس بوك استغلالا فاحشا يمهد لما هو أخطر من إفساد أخلاق الشباب. فقد منح الفايس بوك لكل شاب فرصة إقامة شبكة اجتماعية عابرة للقارات وللحضارات واللغة والمعتقد والعادات، أو الانضمام لشبكة موجودة تبدوا في الوهلة الأولى بريئة خالية من أية خلفية، قوامها التعارف وتبادل الآراء والهموم. وباستطاعة المنسب للشبكة أن يعبر داخلها بكل حرية ومن دون أي محرم أو تقييد، ثم لا يلبث الشاب أن يجد نفسه أمام خطاب آخر هو أقرب إلى العمل التبشيري منه إلى المشاركة في فضاء للحوار لا يعترف بالحدود السياسية والحضارية. أخطر ما في ظاهرة الفايس بوك التي تقف خلفها قوى ظلامية وأخلاط من الماصونية والصهيونية والإنجيليين الجدد أنها في طريقها إلى تحقيق شرخ عظيم بين الدول ورعاياهم من الشباب، لا تحتاج معه هذه القوى إلى إرسال بعثات تبشيرية للعبث بالمعتقدات والقيم والسلوكات الاجتماعية. وعوض أن تكلف نفسها عناء ومئونة الذهاب إلى أرض الآخر كما كانت تفعل في العهد الاستعماري، فإن شرائح واسعة من شباب شعوبنا هي التي تحج إليها اليوم وتتواصل معها في هذا الفضاء الافتراضي الذي لا يمكن لأي قوة أن تراقبه أو تزرع فيه حراس البوابة كما تفعل في العالم الحقيقي. قبل سنة من اليوم استعملت شبكة تبادل الأخبار القصيرة تدعى “تويتر” ، استعملت بطريقة فجة في إثارة القلاقل السياسية والاجتماعية في إيران، وكانت من الوسائل التي استعملتها الولاياتالمتحدة وإسرائيل في إدارة الاحتجاج الذي أعقب الانتخابات الرئاسية في إيران، وقد لعبت هذه الشبكات “تويتر” و”الفايس بوك” أدوارا خطيرة في ما سمي بالثورات البرتقالية في دول أوروبا الشرقية وبعض دول آسيا، وهي على مستوى العالم العربي تلعب أدوارا أخطر وذلك بالعبث بمكونات المجتمعات العربية، وخلق فرص لتشكيل انتماءات جديدة قومية ومذهبية وطائفية وما دون ذلك، وكلها قنابل موقوتة سوف تنفجر بين أيدينا في اللحظة التي يقررها الطرف الآخر. وفي الجملة فإن الدول العربية المنشغلة بإدارة أزمات مفتعلة بينها كدول و إدارة نزاعات مختلقة بين الحكام و شعوبهم لارساء الفرقة و القطيعة بيننا بعدما كنا أمة تقود العالم ، لتزيد هاته الوسائل الخبيثة و الدخيلة تعميق جراح الفرقة التي زرعها بنو صهيون بيننا بشكل أصبحنا فيه نعيش في عالمين، حقيقي و إفتراضي أبعد عنا أبناءنا و هي القنبلة العنقودية التي ستنفجر يوما ما بين أقدام شبابنا و هذا ما لا نرغب في رأيته ما دمنا أحياء.